Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة المائدة 65 - 70]



(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ۚ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۖ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ)
[سورة المائدة 65 - 70]

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ

ثم قال جل وعلا" ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا " أي لو أنهم آمنوا بالله ورسوله واتقوا ما كانوا يتعاطونه من المآثم والمحارم" لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم" أي لأزلنا عنهم المحذور وأنلناهم المقصود. ف.
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ۚ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ

قال تعالى " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم" قال ابن عباس وغيره هو القرآن لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم أي لأنهم عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء على ماهي عليه من غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير لقادهم ذلك إلى اتباع الحق والعلم بمقتضى ما بعث الله به محمدا - صلى الله عليه وسلم - فإن كتبهم ناطقة بتصديقه والأمر باتباعه حتما لا محالة وقوله تعالى" لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والأرض وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس" لأكلوا من فوقهم" يعنى لأرسل السماء عليهم مدرارا ومن تحت أرجلهم يعني يخرج من الأرض بركاتها وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبر وقتادة والسدي كما قال تعالى" ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" الآية وقال تعالى" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" الآية وقال بعضهم معناه" لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" يعني من غير كد ولا تعب ولا شقاء ولا عناء وقال ابن جرير: قال بعضهم معناه لكانوا في الخير كما يقول القائل: هو في الخير من فرقه إلى قدمه ثم رد هذا القول لمخالفه أقوال السلف.و قد ذكر ابن أبي حاتم عند قوله "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل" فقال حدثنا علقمة عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوشك أن يرفع العلم قال زياد بن لبيد يا رسول الله وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا فقال: ثكلتك أمك يا ابن لبيد إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة أوليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله ثم قرأ" ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل" هكذا أورده ابن أبي حاتم معلقا من أول إسناده مرسلا في آخره وقد رواه الإمام أحمد بن حنبل متصلا موصولا فقال: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن زياد بن لبيد أنه قال ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا فقال وذاك عند ذهاب العلم قال قلنا يارسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا وأبناؤنا يقرءونه أبناءهم إلى يوم القيامة فقال ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون بما فيهما بشيء" هكذا رواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبي شيبة عن وكيع به نحوه وهذا إسناد صحيح وقوله تعالى" منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون" كقوله" ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" وكقوله عن أتباع عيسى فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم" الآية فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد وهو أوسط مقامات هذه الأمة وفوق ذلك رتبة السابقين كما في قوله عز وجل" ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير جنات عدن يدخلونها" الآية والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة كلهم يدخلون الجنة وقد قال أبو بكر بن مردويه حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا أحمد بن يونس الضبي حدثنا عاصم بن علي حدثنا أبو معشر عن يعقوب بن يزيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:" تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة سبعون منها في النار وواحدة في الجنة وتفرقت أمة عيسى على ثنتين وسبعين ملة واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار وتعلو أمتي على الفرقتين جميعا واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار قالوا من هم يا رسول الله قال الجماعات الجماعات" قال يعقوب بن زيد كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا فيه القرآن قال" ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم" إلى قوله" منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون" وتلا أيضا قوله تعالى" وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" يعني أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه وبهذا السياق وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروي من طرق عديدة وقد ذكرناه في موضع آخر ولله الحمد والمنة.
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا - صلى الله عليه وسلم - باسم الرساله وآمرا له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك وقام به أتم القيام قال البخاري عند تفسير هذه الآية حدثنا محمد بن موسى حدثنا سفيان عن إسماعيل عن الشعبي عن مسروق عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب وهو يقول" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" الآية هكذا رواه هاهنا مختصرا وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطولا وكذا رواه مسلم في كتاب الإيمان والترمذي والنسائي فى كتاب التفسير من سننهما من طرق عن عامر الشعبي عن مسروق بن الأجدع عنها- رضي الله عنها- وفي الصحيحين عنها أيضا أنها قالت: لو كان محمد - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا من القرآن لكتم هذه الآية" وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه" وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور الرمادي حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن هارون بن عنترة عن أبيه قال كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال له إن ناسا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس فقال ابن عباس ألم تعلم أن الله تعالى قال" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" والله ما ورثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوداء في بيضاء. وهذا إسناد جيد وهكذا في صحيح البخاري من رواية أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوداني قال: قلت لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - هـل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر. وقال البخاري - رضي الله عنه - قال الزهري من الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك فى أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفا كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يومئذ:"ياأيها الناس إنكم مسئولون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء منكسها إليهم ويقول اللهم هل بلغت" قال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير حدثنا فضيل يعني ابن غزوان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع:" يا أيها الناس أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام قال أي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام قال فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام قال فإن أموالكم ودماءكم وأعرضاكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ثم أعادها مرارا ثم رفع أصبعه إلى السماء قال اللهم هل بلغت" مرارا قال يقول ابن عباس والله لوصية إلى ربه عز وجل ثم قال:" ألا فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" وقد روى البخاري عن علي بن المديني عن يحيى بن سعيد عن فضيل بن غزوان به نحوه قوله تعالى " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" يعني وإن لم تؤد إلى الناس ما أرسلتك به فما بلغت رسالته أي وقد علم ما يترتب على ذلك لو وقع وقال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس" وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" يعني إن كتمت آية مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن رجل عن مجاهد قال لما نزلت" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" قال يا رب كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون علي فنزلت "وإن لم تفعل فما بلغت رسالته" ورواه ابن جرير من طريق سفيان وهو الثوري به وقوله تعالى " والله يعصمك من الناس" أي بلغ أنت رسالتي وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم فلا تخف ولا تحزن فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل نزول هذه الآية يحرس كما قال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا يحيى قال سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث أن عائشة- رضي الله عنها- كانت تحدث أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه قالت: فقلت ما شأنك يا رسول الله قال ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة قالت فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح فقال من هذا فقال أنا سعد بن مالك فقال ما جاء بك قال جئت لأحرسك يا رسول الله قالت فسمعت غطيط رسول- الله صلى الله عليه وسلم- في نومه أخرجاه في الصحيحين من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري به وفي لفظ سهر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة مقدمه المدينة يعني على أثر هجرته بعد دخوله بعائشة- رضي الله عنها- وكان ذلك في سنة ثنتين منها وقال ابن أبي حاتم حدثنا إبراهيم بن مرزوق البصري نزيل مصر حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الحرث بن عبيد- يعني أبا قدامة- عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يحرس حتى نزلت هذه الآية" والله يعصمك من الناس- قالت فأخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- رأسه من القبة وقال:" يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله عز وجل" وهكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد وعن نصر بن علي الجهضمي كلاهما عن مسلم بن إبراهيم به ثم قال وهذا حديث غريب وهكذا رواه ابن جرير والحاكم في مستدركه من طرق مسلم بن إبراهيم ثم قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه وكذا رواه سعيد ابن منصور عن الحارث بن عبيد أن قدامة الأيادي عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة به ثم قال الترمذي وقد روى بعضهم هذا عن الجريري عن ابن شقيق قال كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يحرس حتى نزلت هذه الآية ولم يذكر عائشة قلت هكذا رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية وابن مردويه من طريق وهيب كلاهما عن الجريري عن عبد الله بن شقيق مرسلا وقد روى هذا مرسلا عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي رواهما ابن جرير والربيع بن أنس رواه ابن مردويه ثم قال حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن رشدين المصري حدثنا خالد بن عبد السلام الصدفي حدثنا الفضل بن المختار عن عبد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي قال كنا نحرس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالليل حتى نزلت" والله يعصمك من الناس" فترك الحرس حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا حمد بن محمد بن حمد -أبو نصر الكاتب البغدادي- حدثنا كردوس بن محمد الواسطي حدثنا يعلى بن عبد الرحمن عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: كان العباس عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فيمن يحرسه فلما نزلت هذه الآية" والله يعصمك من الناس ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الحرس حدثنا علي بن أبي حامد المديني حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم الأشعري حدثنا أبي حدثنا محمد بن معاوية بن عمار حدثنا أبي قال سمعت أبا الزبير المكي يحدث عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه حتى نزلت" والله يعصمك من الناس" فذهب ليبعث معه فقال يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من تبعث وهذا حديث غريب وفيه نكارة فإن هذه الآية مدنية وهذا الحديث يقتضي أنها مكية ثم قال حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن يحيى حدثنا أبو كريب حدثنا عبد الحميد الجماني عن النضر عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحرس فكان أبو طالب يرسل إليه كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه حتى نزلت عليه هذه الآية" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" قال فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه فقال:" إن الله قد عصمني من الجن والإنس" ورواه الطبراني عن يعقوب بن غيلان العماني عن أبي كريب به. هذا أيضا حديث غريب والصحيح أن هذه الآية منافية بل هي من أواخر ما نزل بها والله أعلم ومن عصمة الله لرسوله حفظه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومعانديها ومترفيها مع شدة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارا بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدرته وحكمته العظيمة فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب إذ كان رئيسا مطاعا كبيرا في قريش وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا شرعية ولو كان أسلم لاجترأ عيله كفارها وكبارها ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه فلما مات عمه أبو طالب نال منه المشركون أذي يسيرا ثم قيض الله له الأنصار فبايعوه على الإسلام وعلى أن يتحول إلى دارهم وهي المدينة فلما صار إليها منعوه من الأحمر والأسود وكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه كما كاده اليهود بالسحر فحماه الله منهم وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء ولما سمه اليهود فى ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه الله به وحماه منه ولهذا أشباه كثيرة جدا يطول ذكرها فمن ذلك ما ذكره المفسرون عند هذه الآية الكريمة. قال أبو جعفر بن جرير حدثنا الحرث حدثنا عبد العزيز حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: كان رسول الله إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة يقيل تحتها فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال من يمنعك مني فقال الله عز وجل فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه وضرب برأس الشجرة حتى انتثر دماغه فأنزل الله عز وجل" والله يعصمك من الناس" وقال ابن أبى حاتم حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان حدثنا زيد بن الحباب حدثنا موسى بن عبيدة حدثني زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال لما غزا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخل فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه فقال الحارث من بني النجار: لأقتلن محمدا فقال أصحابه كيف تقتله قال أقول له أعطني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به قال فأتاه فقال يا محمد أعطني سيفك أشيمه فأعطاه إياه فرعدت يده حتى سقط السيف من يده فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حال الله بينك وبين ما تريد فأنزل الله عز وجل" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" وهذا حديث غريب من هذا الوجه وقصة غورث بن الحرث مشهورة في الصحيح وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا أبو عمرو بن أحمد بن محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الوهاب حدثنا آدم حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كنا إذا صحبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها فجاء رجل فأخذه فقال يا محمد من يمنعك مني فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الله يمنعني منك ضع السيف فوضعه فأنزل الله عز وجل" والله يعصمك من الناس" وكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه عن عبد الله بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن المؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت أبا إسرائيل يعني الجشمي سمعت جعدة هو ابن خالد بن الصمة الجشمي- رضي الله عنه- قال: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- ورأى رجلا سمينا فجعل النبي- صلى الله عليه وسلم- يومئ إلى بطنه بيده ويقول لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك قال وأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- برجل فقيل هذا أراد أن يقتلك فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لم ترع ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي وقوله" إن الله لا يهدي القوم الكافرين" أي بلغ أنت والله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء قال تعالى" ليس عليك هداهم ولكن الله يهدى من يشاء" وقال" فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب".
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ۗ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۖ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

يقول تعالى قل يا محمد" يا أهل الكتاب لستم على شيء" أي من الدين حتى تقيموا التوراة والإنجيل أي حتى تؤمنوا بجميع ما بأيديكم من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء وتعملوا بما فيها ومما فيها الإيمان بمحمد والأمر باتباعه- صلى الله عليه وسلم- والإيمان بمبعثه والافتداء بشريعته ولهذا قال ليث بن أبي سليم عن مجاهد في قوله وما أنزل إليكم من ربكم يعني القرآن العظيم وقوله" ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا" تقدم تقدير "فلا تأس على القوم الكافرين" أي فلا تحزن عليهم ولا يهيبنك ذلك منهم.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

قال" إن الذين آمنوا وهم المسلمون "والذين هادوا" وهم حملة التوراة والصابئون لما طال الفصل حسن العطف بالرفع والصابئون طائفة من النصارى والمجوس ليس لهم دين قاله مجاهد وعنه من اليهود والمجوس وقال سعيد بن جبير من اليهود والنصارى وعن الحسن والحكم إنهم كالمجوس وقال قتادة هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى غير القبلة ويقرءون الزبور وقال وهب بن منبه هم قوم يعرفون الله وحده وليست لهم شريعة يعملون بها ولم يحدثوا كفرا وقال ابن وهب أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه قال هم قوم مما يلي العراق وهم بكوثي وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون كل سنة ثلاثين يوما ويصلون كل يوم خمس صلوات وقيل غير ذلك وأما النصارى فمعروفون وهم حملة الإنجيل والمقصود أن كل فرقة آمنت بالله وباليوم الآخر وهو الميعاد والجزاء يوم الدين وعملت عملا صالحا ولا يكون ذلك كذلك حتى يكون موافقا للشريعة المحمدية بعد إرسال صاحبها المبعوث إلى جميع الثقلين فمن اتصف بذلك فلا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا على ما تركوا وراء ظهورهم ولا هم يحزنون وقد تقدم الكلام على نظيراتها في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته ههنا.
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ

يذكر تعالى أنه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل على السمع والطاعة لله ولرسله فنقضوا تلك العهود والمواثيق واتبعوا آراءهم وأهواءهم وقدموا على الشرائع فما وافقهم منها قبلوه وما خالفهم ردوه ولهذا قال تعالى" كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون وحسبوا أن لا تكون فتنة". أ.