Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة التوبة 112 - 117]

(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۚ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
[سورة التوبة 112 - 117]

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ

هذا نعت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات الجميلة والخلال الجليلة " التائبون " من الذنوب كلها التاركون للفواحش " العابدون " أي القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها وهي الأقوال والأفعال. فمن أخص الأقوال الحمد فلهذا قال " الحامدون " ومن أفضل الأعمال الصيام وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع وهو المراد بالسياحة ههنا ولهذا قال " السائحون " كما وصف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى " سائحات " أي صائمات وكذا الركوع والسجود وهما عبارة عن الصلاة ولهذا قال " الراكعون الساجدون " وهم مع ذلك ينفعون خلق الله ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه علما وعملا فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق ولهذا قال " وبشر المؤمنين " لأن الإيمان يشمل هذا كله والسعادة كل السعادة لمن اتصف به. " بيان أن المراد بالسياحة الصيام "قال سفيان الثوري عن عاصم عن ذر عن عبدالله بن مسعود قال " السائحون " الصائمون وكذا روي عن سعيد بن جبير والعوفي عن ابن عباس وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كل ما ذكر الله في القرآن السياحة هم الصائمون وكذا قال الضحاك رحمه الله وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أبو أحمد حدثنا إبراهيم بن يزيد عن الوليد بن عبدالله عن عائشة رضي الله عنهما قالت: سياحة هذه الأمة الصيام وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وعبدالرحمن السلمي والضحاك بن مزاحم وسفيان بن عينة وغيرهم أن المراد بالسائحين الصائمون وقال الحسن البصري " السائحون " الصائمون شهر رمضان وفال أبو عمرو العبدي " السائحون " الذين يديمون الصيام من المؤمنين وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبدالله بن بزيع حدثنا حكيم بن حزام حدثنا سليمان عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " السائحون هم الصائمون " وهذا الموقوف أصح وقال أيضا: حدثني يونس عن ابن وهب عن عمر بن الحارث عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال " هم الصائمون " وهذا مرسل جيد وهذا أصح الأقوال وأشهرها; وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد وهو ما روى أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله ائذن لي في السياحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم " سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " وقال ابن المبارك عن ابن لهيعة. أخبرني عمارة بن غزية إن السياحة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله والتكبير على كل شرف " وعن عكرمة أنه قال: ثم طلبة العلم وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: هم المهاجرون. رواهما ابن أبي حاتم وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن " وقال العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله " والحافظون لحدود الله " قال القائمون بطاعة الله وكذا قال الحسن البصري وعنه رواية " الحافظون لحدود الله " قال لفرائض الله وفي رواية القائمون على أمر الله.

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ

قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية فقال " أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل ". فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال أنا على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فنزلت " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم " قال ونزلت فيه " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " أخرجاه. وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن آدم أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان؟ فقال أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " الآية. قال لما مات فلا أدري قاله سفيان أو قاله إسرائيل أو هو في الحديث لما مات " قلت "هذا ثابت عن مجاهد أنه قال: لما مات. وقال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى حدثنا زهير حدثنا زبيد بن الحارث اليامي عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في سفر فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم وقال: يا رسول الله ما لك؟ قال " إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي فدمعت عيناي رحمة لها من النار وإني كنت نهيتكم عن ثلاث: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها لتذكركم زيارتها خيرا ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وأمسكوا ما شئتم ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية فاشربوا في أي وعاء شئتم ولا تشربوا مسكرا ". وروى ابن جرير من حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى رسم قبر فجلس إليه فجعل يخاطب ثم قام مستعبرا فقلنا يا رسول الله إنا رأينا ما صنعت. قال " إنى استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي " فما رئي باكيا أكثر من يومئذ. وقال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أبي حدثنا خالد بن خداش حدثنا عبدالله بن وهب عن ابن جريج عن أيوب بن هانيء عن مسروق عن عبدالله بن مسعود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب فدعاه ثم دعانا فقال " ما أبكاكم؟ " فقلنا بكينا لبكائك. قال " إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي " ثم أورده من وجه آخر ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبا. وفيه " وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي وأنزل علي " ما كان للنبي والذين آمنوا " الآية. فأخذني ما يأخذ الولد للوالد. وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة " " حديث أخر "في معناه قال الطبراني: حدثنا محمد بن علي المروزي حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب حدثنا إسحاق بن عبدالله بن كيسان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة تبوك واعتمر فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن " استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم " فذهب فنزل على قبر أمه فناجى ربه طويلا ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه وبكى هؤلاء لبكائه وقالوا ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أحدث الله في أمته شيئا لا تطيقه فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم فقال " ما يبكيكم؟ " قالوا يا نبي الله بكينا لبكائك فقلنا لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه قال " لا وقد كان بعضه ولكن نزلت على قبر أمي فسألت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة فأبى الله أن يأذن لي فرحمتها وهي أمي فبكيت ثم جاءني جبريل فقال " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو للّه تبرأ منه " فتبرأ أنت من أمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه فرحمتها وهي أمي ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعا فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين: دعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج " وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كداء وكانت عسفان لهم وهذا حديث غريب وسياق عجيب وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب السابق واللاحق بسند مجهول عن عائشة في حديث فيه قصة أن الله أحيا أمه فأمنت ثم عادت وكذلك ما رواه السهيلي في الروض بسند فيه جماعة مجهولون: أن الله أحيا له أباه وأمه فأمنا به. وقد قال الحافظ ابن دحية في هذا الاستدلال بما حاصله أن هذه حياة جديدة كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها وصلى علي العصر قال الطحاوي وهو حديث ثابت يعني حديث الشمس قال القرطبي فليس إحياؤهما يمتنع عقلا ولا شرعا قال وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب فآمن به " قلت "وهذا كله متوقف على صحة الحديث فإذا صح فلا مانع منه والله أعلم. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " الآية. أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه فنهاه الله عز وجل عن ذلك فقال " إن إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر لأبيه " فأنزل الله " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه " الآية وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية: كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية فأمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ثم أنزل الله " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه " الآية. وقال قتادة في الآية ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بل والله إنى لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه ". فأنزل الله " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " حتى بلغ قوله " الجحيم " ثم عذر الله تعالى إبراهيم عليه السلام فقال " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه " الآية. قال وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " قد أوحى الله إلي كلمات فدخلن في أذني ووقرن في قلبي: أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركا ومن أعطى فضل ماله فهو خير له ومن أمسك فهو شر له ولا يلوم الله علي كفاف ". وقال الثوري عن الشيباني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مات رجل يهودي وله ابن مسلم فلم يخرج معه فذكر ذلك لابن عباس فقال فكان ينبغي له أن يمشي منه ويدفنه ويدعوا بالصلاح ما دام حيا فإذا مات وكله إلى شأنه ثم قال " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه" - إلى قوله -" تبرأ منه " لم يدع. وشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه لما مات أبو طالب قلت يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات قال " اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني " فذكر تمام الحديث وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما مرت به جنازة عمه أبي طالب قال " وصلتك رحم يا عم " وقال عطاء بن أبي رباح: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنا لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين يقول الله عز وجل " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " الآية. وروى ابن جرير عن ابن وكيع عن أبيه عن عصمة بن وامل عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه قلت ولأبيه قال لا. قال إن أبي مات مشركا وقوله " فلما تبين له أنه عدو للّه تبرأ منه " قال ابن عباس ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما تبين له أنه عدو للّه تبرأ منه. وفي رواية لما مات تبين له أنه عدو للّه وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم رحمهم الله وقال عبيد بن عمير وسعيد بن جبير أنه يتبرأ منه يوم القيامة حين يلقى أباه وعلى وجه أبيه القترة والغبرة فيقول يا إبراهيم إني كنت أعصيك وإني اليوم لا أعصيك فيقول أي رب ألم تعدني أن لا تخزني يوم يبعثون؟ فأي خزي أخزي من أبي الأبعد؟ فيقال انظر إلى ما وراءك فإذا هو بذيخ متلطخ أي: قد مسخ ضبعا ثم يسحب بقوائمه ويلقى في النار. وقوله " إن إبراهيم الأواه حليم " قال سفيان الثوري وغير واحد عن عاصم بن بهدلة عن زرين حبيش عن عبدالله بن مسعود أنه قال الأواه الدعاء. وكذا روي من غير وجه عن ابن مسعود وقال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا الحجاج بن منهال حدثني عبد الحميد بن بهرام حدثنا شهر بن حوشب عن عبدالله بن شداد بن الهاد قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس قال رجل يا رسول الله ما الأواه؟ قال " المتضرع " قال " إن إبراهيم لأواه حليم ". ورواه ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام به ولفظه قال الأواه المتضرع الدعاء وقال الثوري عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن أبي الغدير أنه سأل ابن مسعود عن الأواه فقال هو الرحيم وبه قال مجاهد وأبو ميسرة عمر بن شرحبيل والحسن البصري وقتادة وغيرهما إنه أي الرحيم أي بعباد الله وقال ابن المبارك عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال الأواه الموقن بلسان الحبشة وكذا قال العوفي عن ابن عباس أنه الموقن وكذا قال مجاهد والضحاك وقال علي بن أبي طلحة ومجاهد عن ابن عباس الأواه المؤمن زاد علي بن أبي طلحة عنه هو المؤمن التواب وقال العوفي عنه هو المؤمن بلسان الحبشة وكذا قال ابن جريج هو المؤمن بلسان الحبشة. وقال الإمام أحمد حدثنا موسى حدثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو النجادين " إنه أواه " وذلك أنه رجل كان إذا ذكر الله في القرآن رفع صوته بالدعاء ورواه ابن جرير وقال سعيد بن جبير والشعبي الأواه المسبح وقال ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: المحافظ على سبحة الضحى الأواه وقال شفي ابن ماتع عن أبي أيوب الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها وعن مجاهد الأواه الحفيظ الوجل يذنب الذنب سرا ثم يتوب منه سرا ذكر ذلك كله ابن أبي حاتم رحمه الله.وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا المحاربي عن حجاج عن الحكيم عن الحسن بن مسلم بن بيان أن رجلا كان يكثر ذكر الله ويسبح فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنه أواه " وقال أيضا حدثنا أبو كريب حدثنا ابن هانيء حدثنا المنهال بن خليفة عن حجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتا فقال " رحمك الله إن كنت لأواها " يعني تلاء للقرآن وقال شعبة عن أبي يونس الباهلي قال سمعت رجلا بمكة وكان أصله روميا وكان قاصا يحدث عن أبي ذر قال: كان رجل يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه أوه أوه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنه أواه " قال فخرجت ذات ليلة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلا ومعه المصباح. هذا حديث غريب رواه ابن جريج. وروى عن كعب الأحبار أنه قال: سمعت " إن إبراهيم لأواه " قال كان إذا ذكر النار قال أوه من النار وقال ابن جرير عن ابن عباس " إن إبراهيم لأواه " قال فقيه. قال الإمام أبو جعفر بن جرير وأولى الأقوال قول من قال إنه الدعاء وهو المناسب للسياق وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياها وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليما عمن ظلمه وأناله مكروها ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان ربي حفيا " فحلم عنه مع أذاه له ودعا له واستغفر ولهذا قال تعالى " إن إبراهيم لأواه حليم".

وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ

قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية فقال " أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل ". فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال أنا على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لأستغفرن لك ما لم أنه عنك " فنزلت " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم " قال ونزلت فيه " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " أخرجاه. وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن آدم أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان؟ فقال أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه؟. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " الآية. قال لما مات فلا أدري قاله سفيان أو قاله إسرائيل أو هو في الحديث لما مات " قلت "هذا ثابت عن مجاهد أنه قال: لما مات. وقال الإمام أحمد: حدثنا الحسن بن موسى حدثنا زهير حدثنا زبيد بن الحارث اليامي عن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في سفر فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم وقال: يا رسول الله مالك؟ قال " إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي فدمعت عيتاي رحمة لها من النار وإني كنت نهيتكم عن ثلاث: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها لتذكركم زيارتها خيرا ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وأمسكوا ما شئتم ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية فاشربوا في أي وعاء شئتم ولا تشربوا مسكرا ". وروى ابن جرير من حديث علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى رسم قبر فجلس إليه فجعل يخاطب ثم قام مستعبرا فقلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا رأينا ما صنعت. قال " إنى استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي " فما رئي باكيا أكثر من يومئذ. وقال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أبي حدثنا خالد بن خداش حدثنا عبدالله بن وهب عن ابن جريج عن أيوب بن هانيء عن مسروق عن عبدالله بن مسعود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فاتبعناه فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام إليه عمر بن الخطاب فدعاه ثم دعانا فقال " ما أبكاكم؟ " فقلنا بكينا لبكائك. قال " إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي " ثم أورده من وجه آخر ثم ذكر من حديث ابن مسعود قريبا. وفيه " وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي وأنزل علي " ما كان للنبي والذين آمنوا " الآية. فأخذني ما يأخذ الولد للوالد. وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة " " حديث أخر "في معناه قال الطبراني: حدثنا محمد بن علي المروزي حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب حدثنا إسحاق بن عبدالله بن كيسان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة تبوك واعتمر فلما هبط من ثنية عسفان أمر أصحابه أن " استندوا إلى العقبة حتى أرجع إليكم " فذهب فنزل على قبر أمه فناجى ربه طويلا ثم إنه بكى فاشتد بكاؤه وبكى هؤلاء لبكائه وقالوا ما بكى نبي الله بهذا المكان إلا وقد أحدث الله في أمته شيئا لا تطيقه فلما بكى هؤلاء قام فرجع إليهم فقال " ما يبكيكم؟ " قالوا يا نبي الله بكينا لبكائك فقلنا لعله أحدث في أمتك شيء لا تطيقه قال " لا وقد كان بعضه ولكن نزلت على قبر أمي فسألت الله أن يأذن لي في شفاعتها يوم القيامة فأبى الله أن يأذن لي فرحمتها وهي أمي فبكيت ثم جاءني جبريل فقال " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو للّه تبرأ منه " فتبرأ أنت من أمك كما تبرأ إبراهيم من أبيه فرحمتها وهي أمي ودعوت ربي أن يرفع عن أمتي أربعا فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين: دعوت ربي أن يرفع عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأن لا يلبسهم شيعا وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض وأبى الله أن يرفع عنهم القتل والهرج " وإنما عدل إلى قبر أمه لأنها كانت مدفونة تحت كداء وكانت عسفان لهم وهذا حديث غريب وسياق عجيب وأغرب منه وأشد نكارة ما رواه الخطيب البغدادي في كتاب السابق واللاحق بسند مجهول عن عائشة في حديث فيه قصة أن الله أحيا أمه فأمنت ثم عادت وكذلك ما رواه السهيلي في الروض بسند فيه جماعة مجهولون: إن الله أحيا له أباه وأمه فأمنا به. وقد قال الحافظ ابن دحية في هذا الاستدلال بما حاصله أن هذه حياة جديدة كما رجعت الشمس بعد غيبوبتها وصلى علي العصر قال الطحاوي وهو حديث ثابت يعني حديث الشمس قال القرطبي فليس إحياؤهما يمتنع عقلا ولا شرعا قال وقد سمعت أن الله أحيا عمه أبا طالب فأمن به " قلت "وهذا كله متوقف على صحة الحديث فإذا صح فلا مانع منه والله أعلم. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " الآية. أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يستغفر لأمه فنهاه الله عز وجل عن ذلك فقال " إن إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر لأبيه " فأنزل الله " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه " الآية وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية: كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية فأمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم ولم ينهوا أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا ثم أنزل الله " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه " الآية. وقال قتادة في الآية ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بل والله إنى لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه ". فأنزل الله " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " حتى بلغ قوله " الجحيم " ثم عذر الله تعالى إبراهيم عليه السلام فقال " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه " الآية. قال وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " قد أوحى الله إلي كلمات فدخلن في أذني ووقرن في قلبي: أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركا ومن أعطى فضل ما له فهو خير له ومن أمسك فهو شر له ولا يلوم الله علي كفاف ". وقال الثوري عن الشيباني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مات رجل يهودي وله ابن مسلم فلم يخرج معه فذكر ذلك لابن عباس فقال فكان ينبغي له أن يمشي منه ويدفنه ويدعوا بالصلاح ما دام حيا فإذا مات وكله إلى شأنه ثم قال " وما كان استغفار إبراهيم لأبيه - إلى قوله - تبرأ منه " لم يدع. وشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه لما مات أبو طالب قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال قد مات قال " اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني " فذكر تمام الحديث وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما مرت به جنازة عمه أبي طالب قال " وصلتك رحم يا عم " وقال عطاء بن أبي رباح: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنا لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين يقول الله عز وجل " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " الآية. وروى ابن جرير عن ابن وكيع عن أبيه عن عصمة بن وامل عن أبيه قال: سمعت أبا هريرة يقول رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه قلت ولأبيه قال لا. قال إن أبي مات مشركا وقوله " فلما تبين له أنه عدو للّه تبرأ منه " قال ابن عباس ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما تبين له أنه عدو للّه تبرأ منه. وفي رواية لما مات تبين له أله عدو للّه وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم رحمهم الله وقال عبيد بن عمير وسعيد بن جبير إنه يتبرأ منه يوم القيامة حين يلقى أباه وعلى وجه أبيه القترة والغبرة فيقول يا إبراهيم إني كنت أعصيك وإني اليوم لا أعصيك فيقول أي رب ألم تعدني أن لا تخزني يوم يبعثون؟ فأي خزي أخزي من أبي الأبعد؟ فيقال انظر إلى ما وراءك فإذا هو بذيخ متلطخ أي: قد مسخ ضبعا ثم يسحب بقوائمه ويلقى في النار. وقوله " إن إبراهيم الأواه حليم " قال سفيان الثوري وغير واحد عن عاصم بن بهدلة عن زرين حبيش عن عبدالله بن مسعود أنه قال الأواه الدعاء. وكذا روى من غير وجه عن ابن مسعود وقال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا الحجاج بن منهال حدثني عبد الحميد بن بهرام حدثنا شهر بن حوشب عن عبدالله بن شداد بن الهاد قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس قال رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الأواه؟ قال " المتضرع " قال " إن إبراهيم لأواه حليم ". ورواه ابن أبي حاتم من حديث ابن المبارك عن عبد الحميد بن بهرام به ولفظه قال الأواه المتضرع الدعاء وقال الثوري عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن أبي الغدير أنه سأل ابن مسعود عن الأواه فقال هو الرحيم وبه قال مجاهد وأبو ميسرة عمر بن شرحبيل والحسن البصري وقتادة وغيرهما إنه أي الرحيم أي بعباد الله وقال ابن المبارك عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال الأواه الموقن بلسان الحبشة وكذا قال العوفي عن ابن عباس أنه الموقن وكذا قال مجاهد والضحاك وقال علي بن أبي طلحة ومجاهد عن ابن عباس الأواه المؤمن زاد علي بن أبي طلحة عنه هو المؤمن التواب وقال العوفي عنه هو المؤمن بلسان الحبشة وكذا قال ابن جريج هو المؤمن بلسان الحبشة. وقال الإمام أحمد حدثنا موسى حدثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل يقال له ذو النجادين " إنه أواه " وذلك أنه رجل كان إذا ذكر الله في القرآن رفع صوته بالدعاء ورواه ابن جرير وقال سعيد بن جبير والشعبي الأواه المسبح وقال ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: المحافظ على سبحة الضحى الأواه وقال شفي ابن ماتع عن أبي أيوب الأواه الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها وعن مجاهد الأواه الحفيظ الوجل يذنب الذنب سرا ثم يتوب منه سرا ذكر ذلك كله ابن أبي حاتم رحمه الله.وقال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا المحاربي عن حجاج عن الحكيم عن الحسن بن مسلم بن بيان أن رجلا كان يكثر ذكر الله ويسبح فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنه أواه " وقال أيضا حدثنا أبو كريب حدثنا ابن هانيء حدثنا المنهال بن خليفة عن حجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ميتا فقال " رحمك الله إن كنت لأواها " يعني تلاء للقرآن وقال شعبة عن أبي يونس الباهلي قال سمعت رجلا بمكة وكان أصله روميا وكان قاصا يحدث عن أبي ذر قال: كان رجل يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه أوه أوه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال " إنه أواه " قال فخرجت ذات ليلة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفن ذلك الرجل ليلا ومعه المصباح. هذا حديث غريب رواه ابن جريج. وروى عن كعب الأحبار أنه قال: سمعت " إن إبراهيم لأواه " قال كان إذا ذكر النار قال أوه من النار وقال ابن جرير عن ابن عباس " إن إبراهيم لأواه " قال فقيه. قال الإمام أبو جعفر بن جرير وأولى الأقوال قول من قال إنه الدعاء وهو المناسب للسياق وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياها وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليما عمن ظلمه وأناله مكروها ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان ربي حفيا " فحلم عنه مع أذاه له ودعا له واستغفر ولهذا قال تعالى " إن إبراهيم لأواه حليم".

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة وحكمه العادل إنه لا يضل قوما إلا بعد إبلاغ الرسالة إليهم حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة كما قال تعالى " فأما ثمود فهديناهم " الآية وقال مجاهد في قوله تعالى " وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم " الآية. قال بيان اللّه عز وجل للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة وفي بيانه لهم في معصيته وطاعته عامة فافعلوا أو ذروا: وقال ابن جرير يقول الله تعالى وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه فلم تضيعوا نهيه إلى ما نهاكم عنه فإنه لا يحكم عليكم بالضلال فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعا أو عاصيا فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه;.

إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۚ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

وقوله تعالى " إن الله له ملك السموات والأرض يحي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير " قال ابن جرير هذا تحريض من الله تعالى لعباده المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر وأنهم يثقوا بنصر الله مالك السموات والأرض ولم يرهبوا من أعدائه فإنه لا ولي لهم من دون الله ولا نصير لهم سواه وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي حدثنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم " هل تسمعون ما أسمع؟ " قالوا ما نسمع من شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنى لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط ما فيها من موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم " وقال كعب الأحبار ما من موضع خرمة إبرة من الأرض إلا وملك موكل بها يرفع علم ذلك إلى الله وإن ملائكة السماء لأكثر من عدد التراب وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخه مسيرة مائة عام.

لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ

قال مجاهد وغير واحد نزلت هذه الآية في غزوة تبوك وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر في سنة مجدبة وحر شديد وعسر من الزاد والماء; قال قتادة خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحر على ما يعلم الله من الجهد ما أصابهم فيها جهد شديد حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما وكان النفر يتداولون التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوتهم; وقال ابن جرير حدثني يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبدالله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة فقال عمر بن الخطاب خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع وحتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستقطع وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد عودك في الدعاء خيرا فادع لنا فقال " تحب ذلك؟ " قال نعم فرفع يديه فلم يرجعهما حتى سالت السماء فأهطلت ثم سكنت فملئوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر وقال ابن جرير في قوله " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة " أي من النفقة والطهر والزاد والماء " من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم " أي عن الحق ويشك في دين الرسول صلى الله عليه وسلم ويرتاب للذي نالهم من المشقة والشدة في سفرهم وغزوهم " ثم تاب عليهم " يقول ثم رزقهم الإنابة " إلى ربهم والرجوع إلى الثبات على دينه " إنه بهم رءوف رحيم ".