Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة اﻷعراف 58 - 67]


(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ * لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ * وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
[سورة اﻷعراف 58 - 67]
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ
قوله "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه" أي والأرض الطيبة يخرج نباتها سريعا حسنا كقوله "وأنبتها نباتا حسنا" "والذي خبث لا يخرج إلا نكدا" قال مجاهد وغيره كالسباخ ونحوها وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر وقال البخاري حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حماد بن أسامة عن ابن يزيد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل ما بعثني الله به من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به". رواه مسلم والنسائي من طرق عن أبي أسامة حماد بن أسامة به.
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
لما ذكر تعالى قصة آدم في أول السورة وما يتعلق بذلك وما يتصل به وفرغ منه شرع تعالى في ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام الأول فالأول فابتدأ بذكر نوح عليه السلام فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبي عليه السلام فيما يزعمون وهو أول من خط بالقلم ابن برد بن مهليل بن قنين بن يانش بن شيث بن آدم عليه السلام. هكذا نسبه محمد بن إسحاق وغير واحد من أئمة النسب قال محمد بن إسحاق ولم يلق نبي من قومه من الأذى مثل نوح إلا نبي قتل. وقال يزيد الرقاشي إنما سمي نوحا لكثرة ما ناح على نفسه وقد كان بين آدم إلى زمن نوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على الإسلام قال عبد الله بن عباس وغير واحد من علماء التفسير وكان أول ما عبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صور أولئك فيها ليتذكروا حالهم وعبادتهم فيتشبهوا بهم فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء أولئك الصالحين ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا فلما تفاقم الأمر بعث الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة رسوله نوحا فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له فقال "يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم" أي من عذاب يوم القيامة إذا لقيتم الله وأنتم مشركون به.
قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
"قال الملأ من قومه" أي الجمهور والسادة والقادة والكبراء منهم "إنا لنراك في ضلال مبين" أي في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا آباءنا عليها. وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة كقوله "وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون" "وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم" إلى غير ذلك من الآيات.
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
"قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين" أي ما أنا ضال ولكن أنا رسول من رب العالمين رب كل شيء ومليكه.
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ
"أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون" وهذا شأن الرسول أن يكون مبلغا فصيحا ناصحا عالما بالله لا يدركهم أحد من خلق الله في هذه الصفات كما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم عرفة وهم أوفر ما كانوا وأكثر جمعا "أيها الناس إنكم مسئولون عني فما أنتم قائلون؟ " قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكسها عليهم ويقول "اللهم اشهد اللهم اشهد".
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
يقول تعالى إخبارا عن نوح أنه قال لقومه "أو عجبتم" الآية. أي لا تعجبوا من هذا فإن هذا ليس يعجب أن يوحي الله إلى رجل منكم رحمة بكم ولطفا وإحسانا إليكم لينذركم ولتتقوا نقمة الله ولا تشركوا به "ولعلكم ترحمون".
فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ
قال الله تعالى "فكذبوه" أي تمادوا على تكذيبه ومخالفته وما آمن معه منهم إلا قليل كما نص عليه في موضع آخر "فأنجيناه والذين معه في الفلك" أي السفينة كما قال: فأنجيناه وأصحاب السفينة "وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا" كما قال "مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا" وقوله "إنهم كانوا قوما عمين" أي عن الحق لا يبصرونه ولا يهتدون له فبين تعالى في هذه القصة أنه انتقم لأوليائه من أعدائه وأنجى رسوله والمؤمنين وأهلك أعداءهم من الكافرين كقوله "إنا لننصر رسلنا" الآية. وهذه سنة الله في عباده في الدنيا والآخرة أن العاقبة فيها للمتقين والظفر والغلب لهم كما أهلك قوم نوح بالغرق ونجى نوحا وأصحابه المؤمنين وقال مالك عن زيد بن أسلم كان قوم نوح قد ضاق بهم السهل والجبل وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ما عذب الله قوم نوح إلا والأرض ملأى بهم وليس بقعة من الأرض إلا ولها مالك وحائز وقال ابن وهب بلغني عن ابن عباس إنه نجا مع نوح في السفينة ثمانون رجلا أحدهم جرهم وكان لسانه عربيا. رواه ابن أبي حاتم وروى متصلا من وجه آخر عن ابن عباس".
وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ
يقول تعالى وكما أرسلنا إلى قوم نوح نوحا كذلك أرسلنا إلى عاد أخاهم هودا قال محمد بن إسحاق هم ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح. "قلت" هؤلاء هم عاد الأولى الذين ذكرهم الله وهم أولاد عاد بن إرم الذين كانوا يأوون إلي العمد في البر كما قال تعالى "ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد" وذلك لشدة بأسهم وقوتهم كما قال تعالى "فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون". وقد كانت مساكنهم باليمن بالأحقاف وهو جبال الرمل قال محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة سمعت عليا يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيبا أحمر يخالطه مدرة حمراء ذا آراك وسدر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت؟ هل رأيته؟ قال نعم يا أمير المؤمنين والله إنك لتنعته نعت رجل قد رآه قال لا ولكني قد حدثت عنه فقال الحضرمي وما شأنه يا أمير المؤمنين قال فيه قبر هود عليه السلام رواه ابن جرير وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن فإن هودا عليه السلام دفن هناك وقد كان من أشرف قومه نسبا لأن الرسل إنما يبعثهم الله من أفضل القبائل وأشرفهم ولكن كان قومه كما شدد خلقهم شدد على قلوبهم وكانوا من أشد الأمم تكذيبا للحق ولهذا دعاهم هود عليه السلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له وإلى طاعته وتقواه.
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
"قال الملأ الذين كفروا من قومه" والملأ هم الجمهور والسادة والقادة منهم "إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين" أي في ضلالة حيث تدعونا إلى ترك عبادة الأصنام والإقبال على عبادة الله وحده كما تعجب الملأ من قريش من الدعوة إلى إله واحد فقالوا "أجعل الآلهة إلها واحدا" الآية.
قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ
"قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين" أي ليست كما تزعمون بل جئتكم بالحق من الله الذي خلق كل شيء فهو رب كل شيء ومليكه.