Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة التوبة 21 - 26]


(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)
[سورة التوبة 21 - 26]
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ
قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس في تفسيره هذه الآية قال: إن المشركين قالوا عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره فذكر الله استكبارهم وإعراضهم فقال لأهل الحرم من المشركين " قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون " يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال " به سامرا " كانوا يسمرون به ويهجرون القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم فخير الله الإيمان والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به وإن كانوا يعمرون بيته ويحرمون به. قال الله تعالى " لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم الله ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئا. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال: قد نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر قال لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام نسقي ونفك العاني قال الله عز وجل " أجعلتم سقاية الحاج - إلى قوله - والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني أن ذلك كله كان في الشرك ولا أقبل ما كان في الشرك وقال الضحاك بن مزاحم أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك فقال العباس أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونفك العاني ونحجب البيت ونسقي الحاج فأنزل الله " أجعلتم سقاية الحاج " الآية. وقال عبدالرزاق: أخبرنا ابن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي قال: نزلت في علي والعباس رضي الله عنهما بما تكلما في ذلك. وقال ابن جرير: حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فقال طلحة أنا صاحب البيت معي مفتاحه ولو أشاء بت فيه وقال العباس أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد فقال علي رضي الله عنه ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله عز وجل " أجعلتم سقاية الحاج " الآية كلها وهكذا قال السدي إلا أنه قال: افتخر علي والعباس وشيبة بن عثمان وذكر نحوه وقال عبدالرزاق: أخبرنا معمر عن عمرو عن الحسن قال: نزلت في علي وعباس وشيبة تكلموا في ذلك فقال العباس ما أراني إلا أني تارك سقايتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا " ورواه محمد بن ثور عن معمر عن الحسن فذكر نحوه وقد ورد في تفسير هذه الآية حديث مرفوع فلابد من ذكره هنا قال عبدالرزاق أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رجلا قال: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر رضي الله عنه. وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه. فنزلت " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام - إلى قوله -لا يستوون عند الله ". " طريق أخرى "قال الوليد بن مسلم: حدثتي معاوية بن سلام عن جده أبي سلام الأسود عن النعمان بن بشير الأنصاري قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام. وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجره عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. قال ففعل فأنزل الله عز وجل " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام - إلى قوله - والله لا يهدي القوم الظالمين " ورواه مسلم في صحيحه وأبو داود وابن جرير وهذا لفظه وابن مردويه وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه.
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس في تفسيره هذه الآية قال: إن المشركين قالوا عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره فذكر الله استكبارهم وإعراضهم فقال لأهل الحرم من المشركين " قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون " يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم قال " به سامرا " كانوا يسمرون به ويهجرون القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم فخير الله الإيمان والجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم على عمارة المشركين البيت وقيامهم على السقاية ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به وإن كانوا يعمرون بيته ويحرمون به. قال الله تعالى " لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم الله ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئا. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال: قد نزلت في العباس بن عبد المطلب حين أسر ببدر قال لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام نسقي ونفك العاني قال الله عز وجل " أجعلتم سقاية الحاج - إلى قوله - والله لا يهدي القوم الظالمين " يعني أن ذلك كله كان في الشرك ولا أقبل ما كان في الشرك وقال الضحاك بن مزاحم أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك فقال العباس أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونفك العاني ونحجب البيت ونسقي الحاج فأنزل الله " أجعلتم سقاية الحاج " الآية. وقال عبدالرزاق: أخبرنا ابن عيينة عن إسماعيل عن الشعبي قال: نزلت في علي والعباس رضي الله عنهما بما تكلما في ذلك. وقال ابن جرير: حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب فقال طلحة أنا صاحب البيت معي مفتاحه ولو أشاء بت فيه وقال العباس أنا صاحب السقاية والقائم عليها ولو أشاء بت في المسجد فقال علي رضي الله عنه ما أدري ما تقولان لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله عز وجل " أجعلتم سقاية الحاج " الآية كلها وهكذا قال السدي إلا أنه قال: افتخر علي والعباس وشيبة بن عثمان وذكر نحوه وقال عبدالرزاق: أخبرنا معمر عن عمرو عن الحسن قال: نزلت في علي وعباس وشيبة تكلموا في ذلك فقال العباس ما أراني إلا أني تارك سقايتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرا " ورواه محمد بن ثور عن معمر عن الحسن فذكر نحوه وقد ورد في تفسير هذه الآية حديث مرفوع فلابد من ذكره هنا قال عبدالرزاق أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رجلا قال: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر رضي الله عنه. وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صلينا الجمعة دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه. فنزلت " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام - إلى قوله -لا يستوون عند الله ". " طريق أخرى "قال الوليد بن مسلم: حدثتي معاوية بن سلام عن جده أبي سلام الأسود عن النعمان بن بشير الأنصاري قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام. وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجره عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. قال ففعل فأنزل الله عز وجل " أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام - إلى قوله - والله لا يهدي القوم الظالمين " ورواه مسلم في صحيحه وأبو داود وابن جرير وهذا لفظه وابن مردويه وابن أبي حاتم في تفاسيرهم وابن حبان في صحيحه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
أمر الله تعالى بمباينة الكفار وإن كانوا آباء أو أبناء ونهى عن موالاتهم إن استحبوا أي اختاروا الكفر على الإيمان وتوعد على ذلك كقوله تعالى " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار " الآية. وروى الحافظ البيهقي من حديث عبدالله بن شوذب قال: جعل أبي أبو عبيدة بن الجراح ينعت له الآلهة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر الجراح قصده ابنه أبو عبيدة فقتله فأنزل الله فيه هذه الآية " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " الآية.
قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
ثم أمر تعالى رسوله أن يتوعد من آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله ورسوله وجهاد في سبيله فقال " وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها " أي تحبونها لطيبها وحسنها أي إن كانت هذه الأشياء " أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا" أي فانتظروا ماذا يحل بكم من عقابه ونكاله بكم. ولهذا قال " حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين " وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن زهرة بن معبد عن جده قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال: والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه "فقال عمر: فأنت الآن والله أحب إلى من نفسي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الآن يا عمر "انفرد بإخراجه البخاري فرواه عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن حيوة بن شريح عن أبي عقيل زهرة بن معبد أنه سمع جده عبدالله بن هشام عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " وروى الإمام أحمد وأبو داود واللفظ له من حديث أبي عبدالرحمن الخراساني عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم زلالا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم "وروى الإمام أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن أبي حباب عن شهر بن حوشب أنه سمع عبدالله ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا شاهد للذي قبله والله أعلم.
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ
قال ابن جريج عن مجاهد: هذه أول آية نزلت من براءة يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله وأن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره لا بعددهم ولا بعدتهم ونبههم على أن النصر من عنده سواء قل الجمع أو كثر فإن يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئا فولوا مدبرين إلا القليل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنزل نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه كما سنبينه إن شاء الله تعالى مفصلا ليعلمهم أن النصر من عنده تعالى وحده وبأمداده وإن قل الجمع فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت يونس يحدث عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة " وهكذا رواه أبو داود والترمذي ثم قال: هذا حديث حسن غريب جدا لا يسنده أحد غير جرير بن حازم وإنما روي عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. وقد رواه ابن ماجه والبيهقي وغيره عن أكثم بن الجون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه والله أعلم. وقد كانت وقعة حنين بعد فتح مكة في شوال سنة ثمان من الهجرة. وذلك لما فرغ صلى الله عليه وسلم من فتح مكة وتمهدت أمورها وأسلم عامة أهلها وأطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه أن هوازن جمعوا له ليقاتلوه وأن أميرهم مالك بن عوف النضري ومعه ثقيف بكمالها وبنو جشم وبنو سعد بن بكر وأوزاع من بني هلال وهم قليل وناس من بني عمرو بن عامر وعون بن عامر وقد أقبلوا ومعهم النساء والولدان والشاء والنعم وجاءوا بقضهم وقضيضهم فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيشه الذي جاء معه للفتح وهو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب ومعه الذين أسلموا من أهل مكة وهم الطلقاء في ألفين فسار بهم إلى العدو فالتقوا بواد بين مكة والطائف يقال له حنين فكانت فيه الوقعة في أول النهار في غلس الصبح انحدروا في الوادي وقد كمنت فيه هوازن فلما تواجهوا لم يشعر المسلمون إلا بهم قد بادروهم ورشقوا بالنبال وأصلتوا السيوف وحملوا حملة رجل واحد كما أمرهم ملكهم فعند ذلك ولى المسلمون مدبرين كما قال الله عز وجل وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها إلى نحر العدو والعباس عمه آخذ بركابها الأيمن وأبـو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بركابها الأيسر يثقلانها لئلا تسرع السير وهو ينوه باسمه عليه الصلاة والسلام ويدعو المسلمين إلى الرجعة ويقول " إلي عباد الله إلي أنا رسول الله " ويقول في تلك الحال " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب " وثبت معه من أصحابه قريب من مائة ومنهم من قال ثمانون فمنهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما والعباس وعلي والفضل بن عباس وأبو سفيان بن الحارث وأيمن بن أم أيمن وأسامة بن زيد وغيرهم رضي الله عنهم ثم أمر صلى الله عليه وسلم عمه العباس وكان جهير الصوت أن ينادي بأعلى صوته: يا أصحاب الشجرة يعني شجرة بيعة الرضوان التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها على أن لا يفروا عنه فجعل ينادي بهم يا أصحاب السمرة ويقول تارة: يا أصحاب سورة البقرة فجعلوا يقولون يا لبيك يا لبيك وانعطف الناس فتراجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن الرجل منهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع لبس درعه ثم انحدر عنه وأرسله ورجع بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما اجتمعت شرذمة منهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عليه السلام أن يصدقوا الحملة وأخذ قبضة من التراب بعد ما دعا ربه واستنصره وقال " اللهم أنجز لي ما وعدتني " ثم رمى القوم بها فما بقي إنسان منهم إلا أصابه منها في عينيه وفمه ما شغله عن القتال ثم انهزموا فاتبع المسلمون أقفاءهم يقتلون ويأسرون وما تراجع بقية الناس إلا والأسرى مجندلة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا يعلى بن عطاء عن عبيد الله بن سيار عن أبي همام عن أبي عبدالرحمن الفهري واسمه يزيد بن أسيد ويقال يزيد بن أنيس ويقال كرز قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين فسرنا في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلال الشجر فلما زالت الشمس لبست لأمتي وركبت فرسي فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته حان الرواح؟ فقال "أجل" فقال "يا بلال" فثار من تحت سمرة كأن ظلها ظل طائر فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك فقال " أسرج لي فرسي " فأخرج سرجا دفتاه من ليف ليس فيهما أشر ولا بطر قال فأسرع فركب وركبنا فصاففناهم عشيتنا وليلتنا فتشامت الخيلان فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى " ثم وليتم مدبرين " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عباد الله أنا عبد الله ورسوله "ثم قال: يا معشر المهاجرين أنا عبدالله ورسوله "قال: ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب فأخبرني الذي كان أدنى إليه مني أنه ضرب به وجوههم وقال " شاهدت الوجوه "فهزمهم الله تعالى. قال يعلي بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا لم يبق منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الجديد وهكذا رواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة من حديث أبي داود الطيالسي عن حماد بن سلمة به وقال محمد بن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبدالرحمن بن جابر عن أبيه عن عبدالله قال: فخرج مالك بن عوف بمن معه إلى حنين فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعدوا وتهيئوا في مضايق الوادي وأحنائه وأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحد على أحد وانحاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات اليمين يقول " أيها الناس هلموا إلي أنا رسول الله أنا محمد بن عبدالله "فلا شيء وركبت الإبل بعضها بعضا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الناس قال يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة " فأجابوه لبيك لبيك فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره فلا يقدر على ذلك فيقذف درعه في عنقه ويأخذ سيفه وقوسه ثم يؤم الصوت حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة فاستعرض الناس فاقتتلوا وكانت الدعوة أول ما كانت بالأنصار ثم جعلت آخرا بالخزرج وكانوا صبراء عند الحرب وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ملقون فقتل الله منهم من قتل وانهزم منهم من انهزم وأفاء الله على رسوله أموالهم وأبناءهم وفي الصحيحين من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رجلا قال له: يا أبا عمارة أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر إن هوازن كانوا قوما رماة فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا فأقبل الناس على الغنائم فاستقبلونا بالسهام فانهزم الناس فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجام بغلته البيضاء وهو يقول " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب "قلت: وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامة أنه في مثل هذا اليوم في حومة الوغي وقد انكشف عنه جيشه وهو مع هذا على بغلة وليست سريعة الجري ولا تصلح لفر ولا لكر ولا لهرب وهو مع هذا أيضا يركضها إلى وجوههم وينوه باسمه ليعرفه من لم يعرفه صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين وما هذا كله إلا ثقة بالله وتوكلا عليه وعلما منه بأنه سينصره ويتم ما أرسله به ويظهر دينه على سائر الأديان.
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ
ولهذا قال تعالى " ثم أنزل الله سكينته على رسوله " أي طمأنينته وثباته على رسوله " وعلى المؤمنين " أي الذين معه " وأنزل جنودا لم تروها " وهم الملائكة كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثني الحسن بن عرفة قال: حدثني المعتمر بن سليمان عن عوف هو ابن أبي جميلة الأعرابي قال: سمعت عبدالرحمن مولى ابن برثن حدثني رجل كان مع المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين لم يقوموا لنا حلب شاة قال فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم حتى انتهينا إلى أصحاب البغلة البيضاء فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه فقال لنا: شاهت الوجوه ارجعوا. قال فانهزمنا وركبوا أكتافنا فكانت إياها وقال الحافظ أبو بكر البيهقي أنبأنا أبو عبدالله الحافظ حدثني محمد بن أحمد بن بالويه حدثنا إسحاق بن الحسن الحرمي حدثنا عفان بن مسلم حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا ابن حصيرة حدثنا القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار قدمنا ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء يمضي قدما فحادت بغلته فمال عن السرج فقلت: ارتفع رفعك الله قال " ناولني كفا من التراب " فناولته قال فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا قال " أين المهاجرون والأنصار؟ " قلت: هم هناك قال " اهتف بهم " فهتفت فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب وولى المشركون أدبارهم وروه الإمام أحمد في مسنده عن عفان به نحوه وقال الوليد بن مسلم: حدثني عبدالله بن المبارك عن أبي بكر الهزلي عن عكرمة مولى ابن عباس عن شيبة بن عثمان قال: لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد عري ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما فقلت اليوم أدرك ثأري منه قال فذهبت لأجيئه عن يمينه فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائما عليه درع بيضاء كأنها فضة يكشف عنها العجاج فقلت: عمه ولن يخذله قال فجئته عن يساره فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فقلت: ابن عمه ولن يخذله فجئته من خلفه فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف إذ رفع لي شواط من نار بيني وبينه كأنه برق فخفت أن يخمشني فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " يا شيبة يا شيبة ادن مني اللهم أذهب عنه الشيطان " قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحب إلي من سمعي وبصري فقال " يا شيبة قاتل الكفار" رواه البيهقي من حديث الوليد فذكره ثم روي من حديث أيوب بن جابر عن صدقة بن سعيد عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به ولكنني أبيت أن تظهر هوازن على قريش فقلت وأنا واقف معه: يا رسول الله إنى أرى خيلا بلقاء فقال " يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر " فضرب بيده على صدري ثم قال "اللهم اهد شيبة" ثم ضربها الثانية ثم قال"اللهم اهد شيبة " ثم ضربها الثالثة ثم قال" اللهم اهد شيبة " قال فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إلى منه وذكر تمام الحديث في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هزم الله تعالى المشركين قال محمد بن إسحاق: حدثني أبي إسحاق بن يسار عمن حدثه عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والناس يقتتلون إذ نظرت إلى مثل البجاد الأسود يهوي من السماء حتى وقع بيننا وبين القوم فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي فلم يكن إلا هزيمة قوم فما كنا نشك أنها الملائكة وقال سعيد بن السائب بن يسار عن أبيه قال: سمعت يزيد بن عامر السوائي وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد فكنا نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطست فيطن فيقول كنا نجد في أجوافنا مثل هذا وقد تقدم له شاهد من حديث الفهري يزيد بن أسيد فالله أعلم وفي صحيح مسلم عن محمد بن رافع عن عبدالرزاق أنبأنا معمر عن همام قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم " ولهذا قال تعالى " ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تراها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ".