Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة التوبة 62 - 68]

(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ * يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ * الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ)
[سورة التوبة 62 - 68]

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ

قال قتادة في قوله تعالى يحلفون بالله لكم ليرضوكم. الآية قال ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا وإن كان ما يقول محمد حقا لهم شر من الحمير. قال: فسمعها رجل من المسلمين فقال: والله إن ما يقول محمد لحق ولأنت أشر من الحمار. قال فسعى بهل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال " ما حملك على الذي قلت؟ " فجعل يلتعن ويحلف بالله ما قال ذلك وجعل الرجل المسلم يقول: اللهم صدِّق الصامت وكذِّب الكاذب فأنزل الله الآية.

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ

وقوله تعالى " ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله " الآية أي ألم يتحققوا ويعلموا أنه من حاد الله عز وجل أي شاقه وحاربه وخالفه وكان في حد والله ورسوله في حد " فأن له نار جهنم خالدا فيها " أي مهانا معذبا و" ذلك الخزي العظيم " أي وهذا هو الذل العظيم والشقاء الكبير.

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ

قال مجاهد: يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا هذا وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى " وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير " وقال في هذه الآية " قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون " أي إن الله سينزل على رسوله ما يفضحكم به ويبين له أمركم كقوله تعالى " أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم" -إلى قوله -" ولتعرفنهم في لحن القول " الآية ولهذا قال قتادة كانت تسمى هذه السورة الفاضحة فاضحة المنافقين.

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ

قال أبو معشر المدني عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال رجل من المنافقين ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء. فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب. فقال " أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون" - إلى قوله -" كانوا مجرمين " وإن رجليه لتسفعان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعلق بسيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقال عبدالله بن وهب: أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبدالله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا لا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء. فقال رجـل في المسجد: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فقال عبدالله بن عمر أنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون " الآية. وقد رواه الليث عن هشام بن سعد بنحو من هذا. وقال ابن إسحاق وقد كان جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني أمية بن زيد بن عمرو بن عوف ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له مخشي بن حمير يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال إرجافا وترهيبا للمؤمنين فقال مخشي بن حمير والله لوددت أن أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وإننا نغلب أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني لعمار بن ياسر " أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فاسألهم عما قالوا فإن أنكروا فقل بلى قلتم كذا وكذا " فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على راحلته فجعل يقول وهو آخذ بحقبها: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب فقال مخشي بن حمير يا رسول الله قعد بي اسمي واسم أبي فكان الذي عفا عنه في هذه الآية مخشي بن حمير فتسمى عبدالرحمن وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم بمكانه فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر وقال قتادة ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قال فبينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها هيهات هيهات فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على ما قالوا فقال علي بهؤلاء النفر فدعاهم فقال قلتم كذا وكذا فحلفوا ماكنا إلا نخوض ونلعب وقال عكرمة في تفسير هذا الآية كان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول اللهم إني أسمع آية أنا أعنى بها تقشعر الجلود وتجب منها القلوب اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت قال فأصيب يوم اليمامة فما من أحد من المسلمين إلا وقد وجد غيره.

لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ

وقوله " لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " أي بهذا المقال الذي استهزأتم به إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة أي لا يعفى عن جميعكم ولا بد من عذاب بعضكم بأنهم كانوا مجرمين أي مجرمين بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.

الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

يقول تعالى منكرا على المنافقين الذين هم على خلاف صفات المؤمنين ولما كان المؤمنون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كان هؤلاء يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم أي على الإنفاق في سبيل الله "نسوا الله" أي نسوا ذكر الله" فنسيهم "أي عاملهم معاملة من نسيهم كقوله تعالى"فاليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا" " إن المنافقين هم الفاسقين" أي الخارجون من طريق الحق الداخلون في طريق الضلالة.

وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ

وقوله وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم أي على هذا الصنيع الذي ذكر عنهم خادين فيها أي ماكثين فيها مخلدين هم الكفار هي حسبهم أي كفايتهم في العذاب ولعنهم الله أي طردهم أو بعدهم ولهم عذاب مقيم.