Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة اﻷنعام 45 - 52]


(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ * قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ * وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ۖ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ * وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)
[سورة اﻷنعام 45 - 52]
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ۗ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ
يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين "أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم" أي سلبكم إياها كما أعطاكموها كما قال تعالى "هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار" الآية ويحتمل أن يكون هذا عبارة عن منع الانتفاع بهما الانتفاع الشرعي ولهذا قال "وختم على قلوبكم" كما قال "أمن يملك السمع والأبصار" وقال "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه" وقوله "من إله غير الله يأتيكم به" أي هل أحد غير الله يقدر على رد ذلك إليكم إذا سلبه الله منكم لا يقدر على ذلك أحد سواه ولهذا قال "انظر كيف نصرف الآيات" أي نبينها ونوضحها ونفسرها دالة على أنه لا إله إلا الله وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلال ثم هم يصدفون أي ثم هم مع هذا البيان يصدفون أي يعرضون عن الحق ويصدون الناس عن اتباعه. قال العوفي عن ابن عباس: يصدفون أي يعدلون. وقال مجاهد وقتادة: يعرضون. وقال السدي: يصدون.
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ
وقوله تعالى "قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة" أي وأنتم لا تشعرون به حتى بغتكم وفجأكم "أو جهرة" أي ظاهرا عيانا "هل يهلك إلا القوم الظالمون" أي إنما كان يحيط بالظالمين أنفسهم بالشرك بالله وينجو الذين كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون كقوله "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" الآية.
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ۖ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
وقوله "وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين" أي مبشرين عباد الله المؤمنين بالخيرات ومنذرين من كفر بالله النقمات والعقوبات ولهذا قال "فمن آمن وأصلح" أي فمن آمن قلبه بما جاءوا به وصلح عمله باتباعه إياهم "فلا خوف عليهم" أي بالنسبة لما يستقبلونه "ولا هم يحزنون" أي بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا وصنيعها الله وليهم فيما خلفوه وحافظهم فيما تركوه.
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
ثم قال "والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون" أي ينالهم العذاب بما كفروا بما جاءت به الرسل وخرجوا عن أوامر الله وطاعته وارتكبوا من مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته.
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ
يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله" أي لست أملكها ولا أتصرف فيها "ولا أعلم الغيب" أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب إنما ذاك من علم الله عز وجل ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه ولا أقول لكم إني ملك أي ولا أدعي أني ملك إنما أنا بشر من البشر يوحى إلي من الله عز وجل شرفني بذلك وأنعم علي به ولهذا قال "إن أتبع إلا ما يوحى إلي" أي لست أخرج عنه قيد شبر ولا أدنى منه "قل هل يستوي الأعمى والبصير" أي هل يستوي من اتبع الحق وهدى إليه ومن ضل عنه فلم ينقد له "أفلا تتفكرون" وهذه كقوله تعالى "أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب".
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ
وقوله "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع" أي وأنذر بهذا القرآن يا محمد "الذين هم من خشية ربهم مشفقون الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب" "الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" أي يوم القيامة "ليس لهم" أي يومئذ "من دونه ولي ولا شفيع" أي لا قريب لهم ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم "لعلهم يتقون" أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا الله عز وجل "لعلهم يتقون" فيعملون في هذه الدار عملا ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه.
وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ
وقوله تعالى "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه"أي لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك كقوله "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا" وقوله "يدعون ربهم" أي يعبدونه ويسألونه "بالغداة والعشي" قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة المراد به الصلاة المكتوبة وهذا كقوله "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" أي أتقبل منكم وقوله "يريدون وجهه" أي يريدون بذلك العمل وجه الله الكريم وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات وقوله "ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء" كقول نوح عليه السلام في جواب الذين "قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون" أي إنما حسابهم على الله عز وجل وليس علي من حسابهم من شيء كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء وقوله "فتطردهم فتكون من الظالمين" أي إن فعلت هذا والحالة هذه قال الإمام أحمد: حدثنا أسباط هو ابن محمد حدثني أشعث عن كردوس عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء ؟ فنزل فيهم القرآن "وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" إلى قوله "أليس الله بأعلم بالشاكرين" ورواه ابن جرير من طريق أشعث عن كردوس عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب وغيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك ؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم من بينا؟ أنحن نصير تبعا لهؤلاء ؟ اطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فنزلت هذه الآية "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - وكذلك فتنا بعضهم ببعض" إلى آخر الآية وقال ابن أبي حاتم: حدثنا ابن سعيد بن يحيى بن سعيد القطان حدثنا عمرو بن محمد العنقزي حدثنا أسباط بن نصر عن السدي عن أبي سعيد الأزدي - وكان قارئ الأزد - عن أبي الكنود عن خباب في قول الله عز وجل "لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" قال جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم في نفر في أصحابه فأتوه فخلوا به وقالوا إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال "نعم" قالوا فاكتب لنا عليك كتابا قال فدعا بصحيفة ودعا عليا ليكتب ونحن قعود في ناحية فنزل جبريل فقال "ولا تطرد الذين يدعون ربهم" الآية فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة من يده ثم دعانا فأتيناه ورواه ابن جرير من حديث أسباط به وهذا حديث غريب فإن هذه الآية مكية والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر وقال سفيان الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: قال سعد نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن مسعود قال كنا نستبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وندنو منه ونسمع منه فقالت قريش: تدني هؤلاء دوننا فنزلت "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان وقال على شرط الشيخين وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقدام بن شريح به.