Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة المائدة 114 - 120]




(قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ * وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
[سورة المائدة 114 - 120]

قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

يقول تعالى " قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا" قال السدي أي نتخذ ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا وقال سفيان الثوري: يعني يوما نصلي فيه. وقال قتادة: أرادوا أن يكون لعقبهم من بعدهم وعن سلمان الفارسي عظة لنا ولمن يعدنا وقيل كافية لأولنا وآخرنا وآية منك أي دليلا تنصبه على قدرتك على الأشياء وعلى إجابتك لدعوتي فيصدقوني فيما أبلغه عنك" وارزقنا " أي من عندك رزقا هنيئا بلا كلفة ولا تعب" وأنت خير الرازقين".

قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ ۖ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ

يقول تعالى " قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم" أي فمن كذب بها من أمتك يا عيسى وعاندها" فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين" أي من عالمي زمانكم كقوله تعالى" ويوم القيامة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب" وكقوله" إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" وقد روى ابن جرير من طريق عوف الأعرابي عن أبي المغيرة القواس عن عبدالله بن عمرو قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة: المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون. "ذكر أخبار رويت عن السلف في نزول المائدة على الحواريين" قال أبو جعفر بن جرير: حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني حجاج عن ليث عن عقيل عن ابن عباس أنه كان يحدث عن عيسى أنه قال لبني إسرائيل هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم فإن أجر العامل على من عمل له ففعلوا ثم قالوا: يا معلم الخير قلت لنا إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ففعلنا ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا حين نفرغ طعاما فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين قال فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم كذا رواه ابن جرير. ورواه ابن أبي حاتم عن يونس بن عبدالأعلى عن ابن وهب عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: كان ابن عباس يحدث فذكر نحوه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا سعيد بن عبدالله بن عبدالحكم حدثنا أبو زرعة و هبة الله بن راشد حدثنا عقيل بن خالد أن ابن شهاب أخبره عن ابن عباس أن عيسى ابن مريم قالوا له ادع الله أن ينزل علينا مائدة من السماء قال فنزلت الملائكة بالمائدة يحملونها عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي حدثنا سفيان بن حبيب حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جلاس عن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزلت المائدة من السماء عليها خبز ولحم وأمروا أن لا يخونوا ولا يرفعوا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير" وكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن قزعة. ثم رواه ابن جرير عن ابن بشار عن ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن جلاس عن عمار قال: نزلت المائدة وعليها ثمر من ثمار الجنة فأمروا أن لا يخونوا ولا يخبئوا ولا يدخروا قال فخان القوم وخبئوا وادخروا فمسخهم الله قردة وخنازير وقال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى حدثنا عبدالأعلى حدثنا داود عن سماك بن حرب عن رجل من بني عجل قال: صليت إلى جانب عمار بن ياسر فلما فرغ قال هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال قلت لا قال: إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد قال فقيل لهم فإنها مقيمة لكم ما لم تخبئوا أو تخونوا أو ترفعوا فإن فعلتم فإنى معذبكم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين قال: فما مضى يومهم حتى خبئوا ورفعوا وخانوا فعذبوا عذابا لم يعذبه أحد من العالمين وإنكم يا معشر العرب كنتم تتبعون أذناب الإبل والشاء فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم تعرفون حسبه ونسبه وأخبركم أنكم ستظهرون على العجم ونهاكم أن تكنزوا الذهب والفضة وأيم الله لا يذهب الليل والنهار حتى تكنزوهما ويعذبكم الله عذاب أليما. وقال: حدثنا القاسم حدثنا حسين حدثني حجاج عن أبي معشر عن إسحاق بن عبدالله أن المائدة نزلت على عيسى ابن مريم عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات يأكلون منها ما شاءوا قال: فسرق بعضهم منها وقال لعلها لا تنزل غدا فرفعت وقال العوفي عن ابن عباس: نزل على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه خبز وسمك يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاءوا. وقال خصيف عن عكرمة ومقسم عن ابن عباس كانت المائدة سمكة وأرغفة وقال مجاهد هو طعام كان ينزل عليهم حيث نزلوا. وقال أبو عبدالرحمن السلمي: نزلت المائدة خبزا وسمكا. قال عطية العوفي: المائدة سمك فيه طعم كل شيء. وقال وهب بن منبه أنزلها الله من السماء على بني إسرائيل فكان ينزل عليهم فى كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة فأكلوا ما شاءوا من ضروب شتى فكان يقعد عليها أربعة آلاف وإذا أكلوا أنزل الله مكان ذلك لمثلهم فلبثوا على ذلك ما شاء الله عز وجل. وقال وهب بن منبه: نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات وحشا الله بين أضعافهن البركة فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ثم يجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون حتى أكل جميعهم وأفضلوا. وقال الأعمش عن مسلم عن سعيد بن جبير: أنزل عليها كل شيء إلا اللحم. وقال سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن زاذان وميسرة وجرير عن عطاء عن ميسرة قال: كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليهم الأيدي بكل طعام إلا اللحم. وعن عكرمة كان خبز المائدة من الأرز رواه ابن أبي حاتم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن علي فيما كتب إلي حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبو عبدالله عبدالقدوس بن إبراهيم بن أبي عبيد الله بن مرداس العبدري مولى عبدالدار عن إبراهيم بن عمر عن وهب بن منبه عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الخير أنه قال: لما سأل الحواريون عيسي ابن مريم المائدة كره ذلك جدا فقال اقنعوا بما رزقكم الله فى الأرض ولا تسألوا المائدة من السماء فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها. فأبوا إلا أن يأتيهم بها فلذلك قالوا" نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا" الآية فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم فألقي عنه الصوف ولبس الشعر الأسود وجبة من شعر وعباءة من شعر ثم توضأ واغتسل ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله فلما قضى صلاته قام قائما مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره وغض بصره وطأطأ رأسه خشوعا ثم أرسل عينيه بالبكاء فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه فلما رأى ذلك دعا الله فقال اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها وغمامة تحتها وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم وعيسى يبكي خوف من أجل الشروط التي أخذها الله عليهم فيها أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين وهو يدعو الله في مكانه ويقول اللهم اجعلها رحمة لهم ولا تجعلها عذابا إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني إلهي اجعلنا لك شاكرين اللهم إني أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبا ورجزا إلهي اجعلها سلامة وعافية ولا تجعلها فتنة ومثلة. فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يدي عيسى والحواريين وأصحابه حوله يجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط وخر عيسى والحواريون لله سجدا شكرا له لما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرا عجيبا أورثهم كمدا وغما ثم انصرفوا بغيظ شديد وأقبل عيسى والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة فإذا عليها منديل مغطى فقال عيسى من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة وأوثقنا بنفسه وأحسننا بلاء عند ربه فليكشف عن هذه الآية حتى نراها ونحمد ربنا ونذكر باسمه ونأكل من رزقه الذي رزقنا فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته أنت أولانا بذلك وأحقنا بالكشف عنها. فقام عيسى عليه السلام واستأنف وضوءا جديدا ثم دخل مصلاه فصلى كذلك ركعات ثم بكى بكاء طويلا ودعا الله أن يأذن له في الكشف عنها ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقا ثم انصرف وجلس إلى السفرة وتناول المنديل وقال: بسم الله خير الرازقين وكشف عن السفرة فإذا هو عليها بسمكة ضخمة مشوية ليس عليها بواسير وليس في جوفها شوك يسيل السمن منها سيلا قد تحدق بها بقول من كل صنف غير الكراث وعند رأسها خل وعند ذنبها ملح وحول البقول خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الآخر تمرات وعلى الآخر خمس رمانات فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى: يا روح الله وكلمته أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة؟ فقال عيسى أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات وتنتهوا عن تنقير المسائل؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نزول هذه الآية. فقال له شمعون: لا وإله إسرائيل ما أردت بها سؤالا يا ابن الصديقة فقال عيسى عليه السلام: ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الجنة إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة الغالبة القاهرة فقال له كن فكان أسرع من طرفة عين فكلوا مما سألتم بسم الله واحمدوا عليه ربكم يمدكم منه ويزدكم فإنه بديع قادر شاكر فقالوا يا روح الله وكلمته إنا نحب أن يرينا الله آية في هذه الآية فقال عيسى: سبحان الله أما اكتفيتم بما رأيتم من هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى ؟ ثم أقبل عيسى عليه السلام على السمكة فقال يا سمكة عودي بإذن الله حية كما كنت فأحياها الله بقدرته فاضطربت وعادت بإذن الله حيه طرية تلمظ كما يتلمظ الأسد تدور عيناها لها بصيص وعادت عليها بواسيرها ففزع القوم منها وانحاسوا فلما رأى عيسى منهم ذلك قال: ما لكم تسألون الآية فإذا أراكموها ربكم كرهتموها؟ ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون يا سمكة عودي بإذن الله كما كنت فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول فقالوا يا عيسى كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها ثم نحن بعد فقال عيسى: معاذ الله من ذلك. يبدأ بالأكل من طلبها فلما رأى الحواريون وأصحابه امتناع عيسى منها خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثله فتحاموها فلما رأى ذلك عيسى منهم دعا لها الفقراء والزمنى وقال: كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيك واحمدوا الله الذي أنزلها لكم فيكون مهنؤها لكم وعقوبتها على غيركم وافتتحوا أكلكم باسم الله واختموه بحمد الله: ففعلوا فأكل منها ألف وثلثمائة إنسان بين رجل وامرأة يصدرون عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئته إذ نزلت من السماء لم ينقص منها شيء ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون فاستغنى كل فقير أكل منها وبرئ كل زمن أكل منها فلم يزالوا أغنياء أصحاء حتى خرجوا من الدنيا وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة سـالت منها أشفارهم وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات قال: وكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبل بنو إسرائيل إليها يسعون من كل مكان يزاحم بعضهم بعضا الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والأصحاء والمرضى يركب بعضه بعضا فلما رأى ذلك جعلها نوبا بينهم تنزل يوما ولا تنزل يوما فلبثوا على ذلك أربعين يوما تنزل عليهم غبا عند ارتفاع النهار فلا تزال موضوعة يؤكل منها حتى إذا قالوا ارتفعت عنهم إلى جو السماء بإذن الله وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم قال فأوحي الله إلى نبيه عيسى عليه السلام أن اجعل رزقي في المائدة للفقراء واليتامى والزمنى دون الأغنياء من الناس فلما فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء من الناس وغمطوا ذلك حتى شكوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر وأدرك الشيطان منهم حاجته وقذف وسواسه فى قلوب الربانيين حتى قالوا لعيسى أخبرنا عن المائدة ونزولها من السماء أحق فإنه قد ارتاب بها منا بشر كثير؟ فقال عيسى عليه السلام هلكتم وإله المسيح طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم فلما أن فعل وأنزلها عليكم رحمة ورزقا وأراكم فيها الآيات والعبر كذبتم بها وشككتم فيها فأبشروا بالعذاب فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله. فأوحى الله إلى عيسى إني آخذ المكذبين بشرطي فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين. قال فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة مع نسائهم آمنين فلما كان في آخر الليل مسخهم الله خنازير فأصبحوا يتبعون الأقذار في الكناسات هذا أثر غريب جدا قطعه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة وقد جمعته أنا ليكون سياقه أتم وأكمل والله سبحانه وتعالى أعلم. وكل هذه الآثار دالة على أن المائدة نزلت على بني إسرائيل أيام عيسى ابن مريم إجابة من الله لدعوته كما دل علي ذلك ظاهر هذا السياق من القرآن العظيم قال الله" إني منزلها عليكم" الآية. وقال قائلون إنها لم تنزل فروى ليث بن أبي سليم عن مجاهد في قوله" أنزل علينا مائدة من السماء" قال هو مثل ضربه الله ولم ينزل شيء رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ثم قال ابن جرير: حدثنا الحارث حدثنا القاسم هو ابن سلام حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال: مائدة عليها طعام أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا فأبوا أن تنزل عليهم وقال أيضا: حدثنا أبو المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور بن زاذان عن الحسن أنه قال فى المائدة أنها لم تنزل. وحدثنا بشر حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول لما قيل لهم " فمن يكفر بعد منكم فإنى أعذبه عذاب لا أعذبه أحدا من العالمين" قالوا لا حاجة لنا فيها فلم تنزل وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا يعرفه النصارى وليس هو في كتابهم ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما توفر الدواعي على نقله وكان يكون موجودا في كتابهم متواترا ولا أقل من الآحاد والله أعلم ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت وهو الذي اختاره ابن جرير قال: لأن الله تعالي أخبر بنزولها في قوله تعالي " إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين" قال ووعد الله ووعيده حق وصدق وهذا القول هو والله أعلم الصواب كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم وقد ذكر أهل التاريخ أن موسى بن نصير نائب بني أمية في فتوح بلاد المغرب وجد المائدة هنالك مرصعة باللآلئ وأنواع الجواهر فبعث بها إلى أمير المؤمنين الوليد بن عبدالملك بأني جامع دمشق فمات وهي في الطريق فحملت إلى أخيه سليمان بن عبدالملك الخليفة بعده فرآها الناس فتعجبوا منها كثيرا لما فيها من اليواقيت النفيسة والجواهر اليتيمة ويقال إن هذه المائدة كانت لسليمان بن داود فالله أعلم. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرحمن حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن عمران بن الحكم عن ابن عباس قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك قال "وتفعلون؟ " قالوا نعم قال: فدعا فأتاه جبريل فقال إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة. قال "بل باب التوبة والرحمة" ثم رواه أحمد وابن مردوية والحاكم في مستدركه من حديث سفيان الثوري به.

وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ

هذا أيضا مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله يا عيسى ابن مريم" أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين" من دون الله وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رءوس الأشهاد هكذا قاله قتادة وغيره واستدل على ذلك بقوله تعالى" هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" وقال السدي: هذا الخطاب والجواب في الدنيا وقال ابن جرير: هذا هو الصواب وكان ذلك حين رفعه إلى السماء الدنيا: واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين "أحدهما" أن الكلام بلفظ المضي "والثاني" قوله. إن تعذبهم وإن تغفر لهم وهذان الدليلان فيهما نظر لأن كثيرا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ليدل على الوقوع والثبوت. ومعنى قوله" إن تعذبهم فإنهم عبادك" الآية التبري منهم ورد المشيئة فيهم إلى الله وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه كما في نظائر ذلك من الآيات والذي قاله قتادة هو غيره هو الأظهر والله أعلم أن ذلك كائن يوم القيامة ليدل على تهديد النصارى وتفريعهم وتوبيخهم على رءوس الأشهاد يوم القيامة وقد روي بذلك حديث مرفوع رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبدالله مولى عمر بن عبدالعزيز وكان ثقة قال: سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبدالعزيز عن أبيه أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممهم ثم يدعى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه فيقر بها فيقول يا عيسى ابن مريم" اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك الآية ثم يقول" أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله فينكر أن يكون قال" ذلك فيؤتى بالنصارى فيسئلون فيقولون نعم هو أمرنا بذلك قال فيطول شعر عيسى عليه السلام فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدي الله عز وجل مقدار ألف عام حتى ترفع عليهم الحجة ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم إلى النار" وهذا حديث غريب عزيز. وقوله سبحانك ما" يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن أبي هريرة قال: يلقي عيسى حجته ولقاء الله تعالي في قوله" وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلقاه الله سبحانك" ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" إلى آخر الآية وقد رواه الثوري عن معمر عن ابن طاوس عن طاوس بنحوه وقوله" إن كنت قلته فقد علمته" أي إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب فإنه لا يخفى عليك شيء فما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته ولهذا قال" تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب".

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

هذا أيضا مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رءوس الأشهاد هكذا قاله قتادة وغيره واستدل على ذلك بقوله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وقال السدي: هذا الخطاب والجواب في الدنيا وقال ابن جرير: هذا هو الصواب وكان ذلك حين رفعه إلى السماء الدنيا: واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين "احدهما" أن الكلام بلفظ المضي "والثاني" قوله. إن تعذبهم وإن تغفر لهم وهذان الدليلان فيهما نظر لأن كثيرا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ليدل على الوقوع والثبوت ومعنى قوله إن تعذبهم فإنهم عبادك الآية التبري منهم ورد المشيئة فيهم إلى الله وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه كما في نظائر ذلك من الآيات والذي قاله قتادة هو غيره هو الأظهر والله أعلم أن ذلك كائن يوم القيامة ليدل على تهديد النصارى وتفريعهم وتوبيخهم على رءوس الأشهاد يوم القيامة وقد روي بذلك حديث مرفوع رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبدالله مولى عمر بن عبدالعزيز وكان ثقة قال: سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبدالعزيز عن أبيه أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممهم ثم يدعى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه فيقر بها فيقول يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك الآية ثم يقول أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله فينكر أن يكون قال ذلك فيؤتى بالنصارى فيسئلون فيقولون نعم هو أمرنا بذلك قال فيطول شعر عيسى عليه السلام فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدي الله عز وجل مقدار ألف عام حتى ترفع عليهم الحجة ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم إلى النار" وهذا حديث غريب عزيز. وقوله سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن أبي هريرة قال: يلقي عيسى حجته ولقاء الله تعالي في قوله وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلقاه الله سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إلى آخر الآية وقد رواه الثوري عن معمر عن ابن طاوس عن طاوس بنحوه وقوله إن كنت قلته فقد علمته أي إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب فإنه لا يخفى عليك شيء فما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته ولهذا قال تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به بإبلاغه أن اعبدوا الله ربي وربكم أي ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه أن اعبدوا الله ربي وربكم أي هذا هو الذي قلت لهم وقوله وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم أي كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة قال انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى المغيرة بن النعمان فأملى على سفيان وأنا معه فلما قام انتسخت من سفيان فحدثنا قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول "أصحابي" فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم" ورواه البخاري عند هذه الآية عن أبي الوليد وعن شعبة وعن محمد بن كثير عن سفيان الثوري كلاهما عن المغيرة بن النعمان به. وقوله إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل فإنه الفعال لما يشاء الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ومتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وعلي رسوله وجعلوا لله ندا وصاحبة وولدا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وهذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل حدثني فليت العامري عن جسرة العامرية عن أبي ذر رضي الله عنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسـجد بها إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فلما أصبح قلت يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتي أصبحت تركع بها وتسجد بها ؟ قال "إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا". "طريق أخرى وسياق آخر" قال الإمام أحمد: حدثنا يحيي حدثنا قدامة بن عبدالله حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة فانتهت إلى الربذة فسمعت أبا ذر يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء فصلى بالقوم ثم تخلف أصحاب له يصلون فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه يصلي فجئت فقمت خلفه فأومأ إلي بيمينه فقمت عن يمينه ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا يصلي كل واحد منا بنفسه ونتلو من القرآن ما شاء الله أن نتلو وقام بآية من القرآن رددها حتى صلى الغداة فلما أصبحنا أو مأت إلى عبدالله بن مسعود أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة فقال ابن مسعود بيده لا أسأله عن شيء حتى يحدث إلي فقلت بأبي وأمي قمت بآية من القرآن ومعك القرآن لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه قال "دعوت لأمتي" قلت فماذا أجبت أو ماذا رد عليك ؟ قال "أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة" قلت أفلا أبشر الناس ؟ قال "بلى" فانطلقت معنفا قريبا من قذفه بحجر فقال عمر: يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادات فناداه أن "ارجع" فرجع وتلك الآية إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم.وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبدالأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدث عن عبدالرحمن بن جبير عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول عيسى إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فرفع يديه فقال "اللهم أمتي" وبكى فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فاسأله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين قال: حدثنا ابن لهيعة حدثنا ابن هبيرة أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: حدثني سعيد بن المسيب سمعت حذيفة بن اليمان يقول: غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فلم يخرج حتى ظننا أن لن يخرج فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نفسه قد قبضت فيها فلما رفع رأسه قال "إن ربي عز وجل استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم؟ فقلت ما شئت أي رب هم خلقك وعبادك فاستشارني الثانية فقلت له كذلك فقال لا أخزيك في أمتك يا محمد وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفا مع كل ألف سبعون ألفأ ليس عليهم حساب ثم أرسل إلي فقال ادع تجب وسل تعط فقلت لرسوله أن يعطني ربي سؤلي؟ فقال ما أرسلني إليك إلا ليعطيك ولقد أعطاني ربي ولا فخر وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وأنا أمشي حيا صحيحا وأعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب وأعطاني الكوثر وهو نهـر في الجنة يسيل في حوضي وأعطاني العز والنصر والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا وأعطاني أني أول الأنبياء يدخل الجنة وطيب لي ولأمتي الغنيمة وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ولم يجعل علينا في الدين من حرج".

إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

هذا أيضا مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رءوس الأشهاد هكذا قاله قتادة وغيره واستدل على ذلك بقوله تعالى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وقال السدي: هذا الخطاب والجواب في الدنيا وقال ابن جرير: هذا هو الصواب وكان ذلك حين رفعه إلى السماء الدنيا: واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين "احدهما" أن الكلام بلفظ المضي "والثاني" قوله. إن تعذبهم وإن تغفر لهم وهذان الدليلان فيهما نظر لأن كثيرا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ليدل على الوقوع والثبوت ومعنى قوله إن تعذبهم فإنهم عبادك الآية التبري منهم ورد المشيئة فيهم إلى الله وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه كما في نظائر ذلك من الآيات والذي قاله قتادة هو غيره هو الأظهر والله أعلم أن ذلك كائن يوم القيامة ليدل على تهديد النصارى وتفريعهم وتوبيخهم على رءوس الأشهاد يوم القيامة وقد روي بذلك حديث مرفوع رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبدالله مولى عمر بن عبدالعزيز وكان ثقة قال: سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبدالعزيز عن أبيه أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممهم ثم يدعى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه فيقر بها فيقول يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك الآية ثم يقول أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله فينكر أن يكون قال ذلك فيؤتى بالنصارى فيسئلون فيقولون نعم هو أمرنا بذلك قال فيطول شعر عيسى عليه السلام فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدي الله عز وجل مقدار ألف عام حتى ترفع عليهم الحجة ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم إلى النار" وهذا حديث غريب عزيز. وقوله سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن أبي هريرة قال: يلقي عيسى حجته ولقاء الله تعالي في قوله وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلقاه الله سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إلى آخر الآية وقد رواه الثوري عن معمر عن ابن طاوس عن طاوس بنحوه وقوله إن كنت قلته فقد علمته أي إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب فإنه لا يخفى عليك شيء فما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته ولهذا قال تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به بإبلاغه أن اعبدوا الله ربي وربكم أي ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه أن اعبدوا الله ربي وربكم أي هذا هو الذي قلت لهم وقوله وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم أي كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة قال انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى المغيرة بن النعمان فأملى على سفيان وأنا معه فلما قام انتسخت من سفيان فحدثنا قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتى فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول "أصحابي" فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فيقال إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم" ورواه البخاري عند هذه الآية عن أبي الوليد وعن شعبة وعن محمد بن كثير عن سفيان الثوري كلاهما عن المغيرة بن النعمان به. وقوله إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل فإنه الفعال لما يشاء الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ومتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وعلي رسوله وجعلوا لله ندا وصاحبة وولدا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وهذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل حدثني فليت العامري عن جسرة العامرية عن أبي ذر رضي الله عنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسـجد بها إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فلما أصبح قلت يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتي أصبحت تركع بها وتسجد بها ؟ قال "إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا". "طريق أخرى وسياق آخر" قال الإمام أحمد: حدثنا يحيي حدثنا قدامة بن عبدالله حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة فانتهت إلى الربذة فسمعت أبا ذر يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء فصلى بالقوم ثم تخلف أصحاب له يصلون فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه يصلي فجئت فقمت خلفه فأومأ إلي بيمينه فقمت عن يمينه ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا يصلي كل واحد منا بنفسه ونتلو من القرآن ما شاء الله أن نتلو وقام بآية من القرآن رددها حتى صلى الغداة فلما أصبحنا أومأت إلى عبدالله بن مسعود أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة فقال ابن مسعود بيده لا أسأله عن شيء حتى يحدث إلي فقلت بأبي وأمي قمت بآية من القرآن ومعك القرآن لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه قال "دعوت لأمتي" قلت فماذا أجبت أو ماذا رد عليك ؟ قال "أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة" قلت أفلا أبشر الناس ؟ قال "بلى" فانطلقت معنفا قريبا من قذفه بحجر فقال عمر: يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادات فناداه أن "ارجع" فرجع وتلك الآية" إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم".وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدث عن عبدالرحمن بن جبير عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول عيسى إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فرفع يديه فقال "اللهم أمتي" وبكى فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فاسأله ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين قال: حدثنا ابن لهيعة حدثنا ابن هبيرة أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: حدثني سعيد بن المسيب سمعت حذيفة بن اليمان يقول: غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فلم يخرج حتى ظننا أن لن يخرج فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نفسه قد قبضت فيها فلما رفع رأسه قال "إن ربي عز وجل استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم؟ فقلت ما شئت أي رب هم خلقك وعبادك فاستشارني الثانية فقلت له كذلك فقال لا أخزيك في أمتك يا محمد وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفا مع كل ألف سبعون ألفا ليس عليهم حساب ثم أرسل إلي فقال ادع تجب وسل تعطه فقلت لرسوله أن يعطني ربي سؤلي؟ فقال ما أرسلني إليك إلا ليعطيك ولقد أعطاني ربي ولا فخر وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وأنا أمشي حيا صحيحا وأعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب وأعطاني الكوثر وهو نهـر في الجنة يسيل في حوضي وأعطاني العز والنصر والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا وأعطاني أني أول الأنبياء يدخل الجنة وطيب لي ولأمتي الغنيمة وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ولم يجعل علينا في الدين من حرج.

قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

يقول تعالى مجيبا لعبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام فيما أنهاه إليه من التبري من النصارى الملحدين الكاذبين على الله وعلى رسوله ومن رد المشيئة فيهم إلى ربه عز وجل فعند ذلك يقول تعالى" هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" قال الضحاك عن ابن عباس: يقول يوم ينفع الموحدين توحيدهم" لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا" أي ماكثين فيها لا يحولون ولا يزولون " رضي الله عنهم ورضوا عنه" كما قال تعالي " ورضوان من الله أكبر" وسيأتي ما يتعلق بتلك الآية من الحديث وروى ابن أبي حاتم ههنا حديثا عن أنس فقال: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا المحاربي عن ليث عن عثمان يعني ابن عمير أخبرنا اليقظان عن أنس مرفوعا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثم يتجلى لهم الرب جل جلاله فيقول سلوني سلوني أعطكم قال فيسألونه الرضا فيقول رضاي أحلكم داري وأنا لكم كرامتي فسلوني أعطكم فيسألونه الرضا قال فيشهدهم أنه قد رضي عنهم سبحانه وتعالى" وقوله ذلك الفوز العظيم" أي هذا الفوز الكبير الذي لا أعظم منه كما قال تعالى" لمثل هذا فليعمل العاملون" وكما قال" وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ".

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

قوله "لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير" أي هو الخالق للأشياء المالك لها المتصرف فيها القادر عليها فالجميع ملكه وتحت قهره وقدرته وفي مشيئته فلا نظير له ولا وزير ولا عديل ولا والد ولا ولد ولا صاحبة ولا إله غيره ولا رب سواه. قال ابن وهب: سمعت حيي بن عبدالله يحدث عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن عبدالله بن عمر قال آخر سورة نزلت سورة المائدة. "تم تفسير سورة المائدة ولله الحمد والمنة".