Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة يونس 1 - 6]

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ * إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ ۚ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)
[سورة يونس 1 - 6]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ

أما الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تقدم الكلام عليها في أوائل سورة البقرة وقال أبو الضحى عن ابن عباس في قوله تعالى "الر" أي أنا الله أرى. وكذلك قال الضحاك وغيره "تلك آيات الكتاب الحكيم" أي هذه آيات القرآن المحكم المبين وقال مجاهد "الر تلك آيات الكتاب الحكيم" وقال الحسن التوراة والزبور وقال قتادة "تلك آيات الكتاب" قال الكتب التي كانت قبل القرآن. وهذا القول لا أعرف وجهه ولا معناه.

أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ

وقوله "أكان للناس عجبا" الآية. يقول تعالى منكرا على من تعجب من الكفار من إرسال المرسلين من البشر كما أخبر تعالى عن القرون الماضين من قولهم "أبشر يهدوننا" وقال هود وصالح لقومهما "أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم" وقال تعالى مخبرا عن كفار قريش أنهم قالوا "أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب" وقال الضحاك عن ابن عباس لما بعث الله تعالى محمدا صلي الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم فقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد قال فأنزل الله عز وجل" أكان للناس عجبا" الآية. وقوله "أن لهم قدم صدق عند ربهم" اختلفوا فيه فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق" يقول سبقت لهم السعادة في الذكر الأول وقال العوفي عن ابن عباس "أن لهم قدم صدق عند ربهم" يقول أجرا حسنا بما قدموا وكذا قال الضحاك والربيع بن أنس وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وهذا كقوله تعالى "لينذر بأسا شديدا" الآية. وقال مجاهد" أن لهم قدم صدق عند ربهم" قال الأعمال الصالحة صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم قال: ومحمد صلي الله عليه وسلم يشفع لهم وكذا قال زيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقال قتادة سلف صدق عند ربهم واختار ابن جرير قول مجاهد أن الأعمال الصالحة التي قدموها كما يقال له قدم في الإسلام كقول حسان: لنا القدم العليا إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع وقول ذي الرمة: لكم قدم لا ينكر الناس إنها مع الحسب العادي طمت على البحر وقوله تعالى "قال الكافرون إن هذا لساحر مبين" أي مع أنا بعثنا إليهم رسولا منهم رجلا من جنسهم بشيرا ونذيرا"قال الكافرون إن هذا لساحر مبين" أي ظاهروهم الكاذبون في ذلك.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۖ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ

يخبر تعالى أنه رب العالم جميعه وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام قيل كهذه الأيام وقيل كل يوم كألف سنة مما تعدون كما سيأتي بيانه ثم استوى على العرش والعرش أعظم المخلوقات وسقفها قال ابن أبي حاتم: حدثنا حجاج بن حمزة حدثنا أبو أسامة حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت سعدا الطائي يقول: العرش ياقوتة حمراء وقال وهب بن منبه خلقه الله من نوره وهذا غريب وقوله "يدبر الأمر" أي يدبر أمر الخلائق "لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض" ولا يشغله شأن عن شأن ولا تغلطه المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين ولا يلهيه تدبير الكبير عن الصغير في الجبال والبحار والعمران والقفار "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها" الآية "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" وقال الدراوردي عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة أنه قال حين نزلت هذه الآية "إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض" الآية لقيهم ركب عظيم لا يرون إلا أنهم من العرب فقالوا لهم من أنتم؟ قالوا من الجن خرجنا من المدينة أخرجتنا هذه الآية رواه أبن أبي حاتم وقوله "ما من شفيع إلا من بعد إذنه" كقوله تعالى "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" وقوله تعالى "وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" وقوله "ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له" وقوله "ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون" أي أفردوه بالعبادة وحده لا شريك له "أفلا تذكرون" أي أيها المشركون في أمركم تعبدون مع الله إلها غيره وأنتم تعلمون أنه المتفرد بالخلق كقوله تعالى "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " وقوله "قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله قل أفلا تتقون" وكذا الآية التي قبلها والتي بعدها.

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ ۚ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ

يخبر تعالى أن إليه مرجع الخلائق يوم القيامة لا يترك منهم أحدا حتى يعيده كما بدأه ثم ذكر تعالى أنه كما بدأ الخلق كذلك يعيده "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" "ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط" أي بالعدل والجزاء الأوفى "والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون" أي بسبب كفرهم يعذبون يوم القيامة بأنواع العذاب من سموم وحميم وظل من يحموم "هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج" "هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن".

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ

يخبر تعالى عما خلق من الآيات الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء وجعل شعاع القمر نورا هذا فن وهذا فن آخر ففاوت بينهما لئلا يشتبها وجعل سلطان الشمس بالنهار وسلطان القمر بالليل وقدر القمر منازل فأول ما يبدو صغيرا ثم يتزايد نوره وجرمه حتى يستوسق ويكمل إبداره ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حالته الأولى في تمام شهر كقوله تعالى "والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" وقوله تعالى "والشمس والقمر حسبانا" الآية وقوله في هذه الآية الكريمة "وقدره" أي القمر "منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" فبالشمس تعرف الأيام وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام "ما خلق الله ذلك إلا بالحق" أي لم يخلقه عبثا بل له حكمة عظيمة في ذلك وحجة بالغة كقوله تعالى "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار" وقال تعالى "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم" وقوله "نفصل الآيات" أي نبين الحجج والأدلة "لقوم يعلمون".

إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ

"إن في اختلاف الليل والنهار" أي تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب هذا وإذا ذهب هذا جاء هذا لا يتأخر عنه شيئا كقوله تعالى "يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا" وقال "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر" الآية. وقال تعالى "فالق الإصباح وجعل الليل سكنا" الآية وقوله "وما خلق الله في السموات والأرض" أي من الآيات الدالة على عظمته تعالى كما قال "وكأين من آية في السموات والأرض" الآية وقوله "قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون" وقال "أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض" وقال "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" أي العقول: وقال ههنا "لآيات لقوم يتقون" أي عقاب الله وسخطه وعذابه.