Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة المائدة 58 - 64]





(وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ * قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ * وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ * وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
[سورة المائدة 58 - 64]
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ
وقوله" وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا" أي وكذلك إذا أذنتم داعين إلى الصلاة التي هي أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم من ذوي الألباب اتخذوها أيضا" هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون" معانى عبادة الله وشرائعه وهذه صفات أتباع الشيطان" الذي إذا سمع المنادي أدبر وله حصاص أي ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي التأذين أقبل فإذا ثوب للصلاة أدبر فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء وقلبه فيقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل السلام" متفق عليه. قال الزهري قد ذكر الله التأذين في كتابه فقال" وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخزوها هزوا ولعبا وذلك بأنهم قوم لا يعقلون" رواه ابن أبي حاتم وقال أسباط عن السدي في قوله" وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا" قال: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي أشهد أن محمدا رسول الله قال: حرق الكذاب فدخلت خادمة ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شارة فأحرفت البيت فاحترق هو وأهله رواه ابن جرير وابن بي حاتم وذكر محمد بن إسحاق بن يسار فى السيرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال فأمره أن يؤذن وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب بن أسيد لقد: أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه وقال الحارث بن هشام أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته فقال أبو سفيان لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصي فخرج عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال "قد علمت الذي قلتم" ثم ذكر ذلك لهم فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك وقال الإمام أحمد حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرنا عبدالعزير بن عبدالملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره وكان يتيما في حجر أبي محذورة قال: قلت لأبي محذورة يا عم إني خارج إلى الشام وأخشى أن أسأل عن تأذينك فأخبرني أن أبا محذورة قال له نعم خرجت في نفر وكنا في بعض طريق حنين مقفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حنين فلقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعت صوت المؤذن ونحن متنكبون فصرخنا نحكيه ونستهزئ به فسمع رسول الله فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم كلهم إلي وصدقوا فأرسل كلهم وحبسني وقال قم فأذن فقمت ولا شيء أكره إلي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا مما يأمرني به فقمت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فألقى علي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - التأذين هو بنفسه قال قل الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم دعاني حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه ثم بين ثدييه ثم على كبده حتى بلغت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرة أبي محذورة ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بارك الله فيك وبارك عليك فقلت يا رسول الله مرنى يالتأذين بمكة فقال قد" أمرتك به" وذهب كل شيء كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كراهة وعاد ذلك كله محبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي ممن أدرك أبا محذورة على نحو ما أخبرني عبد الله بن محيريز هكذا رواه الإمام أحمد وقد أخرجه مسلم في صحيحه وأهل السنن الأربعة من طريق عن عبد الله بن محيريز عن أبي محذورة واسمه سمرة بن معير بن لوذان أحد مؤذني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأربعة وهو مـؤذن أهل مكة وامتدت أيامه - رضي الله عنه - وأرضاه.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ
يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من أهل الكتاب:" هل تنقمون منا إلا أن أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل" أي هل لكم علينا مطعن أو عيب إلا هذا ؟ وهذا ليس بعيب ولا مذمة فيكون الاستثناء منقطع كما في قوله تعالى" وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" وكقوله" وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله" وفي الحديث المتفق عليه" ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله" وقوله" وأن أكثركم فاسقون" معطوف على" أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل" أي وأمنا بأن أكثركم فاسقون أي خارجون عن الطريق المسقيم.
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ
قال" قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله" أي هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا؟ وهم أنتم الذين هم متصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله" من لعنه الله" أي أبعده من رحمته" وغضب عليه" أي غضبا لا يرضى بعده أبدا" وجعل منهم القردة والخنازير" كما تقدم بيانه في سوره البقرة وكما سيأتي إيضاحه في سورة الأعراف وقد قال سفيان الثوري عن علقمة بن يزيد عن المغيرة بن عبد الله عن المعرور بن سويد عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القردة والخنازير أهى مما مسخ الله فقال إن الله لم يهلك قوما أو قال لم يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عقبا وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك وقد رواه مسلم من حديث سفيان الثوري ومسعر كلاهما عن مغيرة بن عبد الله اليشكري به وقال أبو داود الطيالسي حدثنا داود بن أبي الفرات عن محمد بن زيد عن أبي الأعين المعبدي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القردة والخنازير أهي من نسل اليهود فقال:" لا إن الله لم يلعن قوما قط فيمسخهم فكان لهم نسل ولكن هذا خلق كان فلما غضب الله على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم" ورواه أحمد من حديث داود بن أبي الفرات به وقال ابن مردويه حدثنا عبد الباقي حدثنا أحمد بن إسحق بن صالح حدثنا الحسن بن محبوب حدثنا عبد العزيز بن المختار عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة والنخاذير" هذا حديث غريب جدا وقوله تعالى" وعبد الطاغوت" قرئ" وَعَبَدَ الطاغوت" على أنه فعل ماض والطاغوت منصوب به أي وجعل منهم الطاغوت وقرئ " وعبد الطاغوتِ" بالإضافة على أن المعنى وجعل منهم من الطاغوت أي خدامه وعبيده وقرئ " وعبد الطاغوت " على أنه يجمع الجمع عبد وعبيد وعبد مثل ثمار وثمر حكاها ابن جرير عن الأعمش وحكى عن بريدة الأسلمي أنه كان يقرؤها" وعابد الطاغوت" وعن أبي وابن مسعود" عبدوا" وحكى ابن جرير عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤها" وعبد الطاغوت" على أنه مفعول ما لم يسم فاعله ثم استبعد معناها والظاهر بعد في ذلك لأن هذا من باب التعريض بهم أي وقد عبدت الطاغوت فيكم وأنتم الذين فعلتموه وكل هذه القراءا ت يرجع معناها إلى أنكم يا أهل الكتاب الطاعنين في ديننا الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبادات دون ما سواه كيف يصدر منكم هذا وأنتم قد وجد منكم جميع ما ذكر ولهذا قال" أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل" وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس الطرف الآخر مشاركة كقوله عز وجل" أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا".
وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ
قوله تعالى "وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به" وهذه صفة المنافقين منهم أنهم يصانعون المؤمنين في الظاهر وقلوبهم منطوية على الكفر ولهذا قال وقد دخلوا أي عندنا يا محمد بالكفر أي مستصحبين الكفر في قلوبهم ثم خرجوا وهو كامن فيها لم ينتفعوا بما قد سمعوا منك من العلم ولا نجعت فيهم المواعظ ولا الزواجر ولهذا قال وهم قد خرجوا به فخصهم به دون غيرهم وقوله" تعالى والله أعلم بما كانوا يكتمون" أي عالم بسرائرهم وما تنطوي عليه ضمائرهم وإن أظهروا لخلقه خلاف ذلك وتزينوا بما ليس فيهم فإن عالم الغيب والشهادة أعلم بهم منهم وسيجزيهم على ذلك أتم الجزاء.
وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
أي: يبادرون إلى ذلك من تعاطي المآثم والمحارم والاعتداء على الناس، وأكلهم أموالهم بالباطل ( لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) أي: لبئس  العمل كان عملهم وبئس الاعتداء اعتداؤهم. 
لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
قوله تعالى "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون" يعني ينهاهم الربانيون والأحبار منهم عن تعاطي ذلك والربانيون هم العلماء العمال أرباب الولايات عليهم والأحبار هم العلماء فقط" لبئس ما كانوا يصنعون" يعني من تركهم ذلك قاله علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال لهؤلاء حين لم ينهوا ولهؤلاء حين علموا قال وذلك الأركان قال ويعلمون ويصنعون واحد رواه ابن أبي حاتم وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا ابن عطية حدثنا قيس عن العلاء بن المسيب عن خالد بن دينار عن ابن عباس قال ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية" لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون" قال كذا قرأ وكذا قال الضحاك ما في القرآن آية أخوف عندي منها إنا لا ننتهي رواه ابن جرير وقال ابن أبي حاتم ذكره يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن مسلم عن أبي الوضاح حدثنا ثابت أبو سعيد الهمذاني قال لقيته بالري فحدث عن يحيى بن يعمر قال خطب علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم بركوبهم المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار فلما تمادوا في المعاصي أخذتهم العقوبات فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن ينزل بكم مثل الذي نزل بهم واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقطع رزقا ولا يقرب أجلا وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا شريك عن أبي إسحق عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع ولم يغيروا إلا أصابهم الله منه بعذاب" تفرد به أحمد من هذا الوجه ورواه أبو داود عن مسدد عن أبي الأحوص عن أبي إسحق عن المنذر بن جرير عن جرير قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلا يغيرون إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا" وقد رواه ابن ماجه عن على بن محمد عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه به قال الحافظ المزي وهكذا رواه شعبة عن إسحق به.
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة بأنهم وصفوه تعالى عن قولهم علوا كبيرا بأنه بخيل كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنياء وعبروا عن البخل بأن قالوا" يد الله مغلولة" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبد الله الطهراني حدثنا حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قال ابن عباس: مغلولة أى بخيلة وقال علي بن أبي طلحه: عن ابن عباس قوله وقالت اليهود يد الله مغلولة قال لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة ولكن يقولون بخيل يعني أمسك ما عنده بخلا تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وكذا روى عن مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي والضحاك وقرأ" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا " يعني أنه ينهى عن البخل وعن التبذير وهو زيادة الإنفاق في غير محله وعبر عن البخل بقوله" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك" وهذا هو الذي أراد هؤلاء اليهود عليهم لعائن الله وقد قال عكرمة أنها نزلت في فنحاص اليهودي عليه لعنة الله وقد تقدم أنه الذي قال إن الله فقير ونحن أغنياء فضربه أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- وقال محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود يقال: له شاس بن قيس إن ربك بخيل لا ينفق فأنزل الله وقالت اليهود:" يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء" وقد رد الله عز وجل عليهم ما قالوه وقابلهم فيما اختلعوه وافتروه وأتفكوه فقال"غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا" وهكذا وقع لهم فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة أمر عظيم كما قال تعالى "أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله" الآية وقال تعالى" ضربت عليهم الذلة" الآية ثم قال تعالى" بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء" أي بل هو الواهب الفضل الجزيل العطاء الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وهو لا شريك له الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه في ليلنا ونهارنا وحضرنا وسفرنا وفي جميع أحوالنا كما قال" وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار" والآيات في هذا كثيرة وقد قال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا عمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:" إن يمين الله ملأى لا يفيضها نفقه سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإذ لم يغض ما في يمينه قال وعرشه على الماء وفي يده الأخرى الفيض يرفع ويخفض وقال يقول الله تعالى أنفق أنقق عليك" أخرجاه في الصحيحين البخاري في التوحيد عن علي بن المديني ومسلم فيه عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق به وقوله تعالى" وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا" أي يكون ما أتاك الله يا محمد من النعمة نقمة في حق أعدائك من اليهود وأشباههم فكما يزداد به المؤمنون تصديقا وعملا صالحا وعلما نافعا يزداد به الكافرون الحاسدون لك ولأمتك طغيانا وهو المبالغة والمجاوزة للحد في الأشياء وكفرا أي تكذيبا كما قال تعالى" قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد" وقال تعالى" وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا" وقوله تعالى" وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة" يعني أنه لا تجتمع قلوبهم بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم في بعض دائما لأنهم لا يجتمعون على حق وقد خالفوك وكذبوك وقال إبراهيم النخعي" وألقينا بينهم العداوة والبغضاء" قال الخصومات والجدال في الدين رواه ابن أبي حاتم وقوله كلما" أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله" أي كلما عقدوا أسبابا يكيدونك بها وكلما أبرموا أمورا يحاربونك بها أبطلها الله ورد كيدهم عليهم وحاق مكرهم السيء بهم ويسعون في الأرض فسادا" والله لا يحب المفسدين" أي من سجيتهم أنهم أئمة يسعون في الإفساد في الأرض والله لا يحب من هذه صفتة.