Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة يونس 43 - 53]

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ * إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ * وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ ۚ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ * ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ * وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)
[سورة يونس 43 - 53]

وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ

"ومنهم من ينظر إليك" أي ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة والسمت الحسن والخلق العظيم والدلالة الظاهرة على نبوءتك لأولي البصائر والنهي وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم ولا يحصل لهم من الهداية شيء كما يحصل لغيرهم بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار وهؤلاء الكفار ينظرون إليك بعين الاحتقار "وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا" الآية ثم أخبر تعالى أنه لا يظلم أحدا شيئا وإن كان قد هدى به من هدى وبصر به من العمى وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وأضل به عن الإيمان آخرين فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء الذي لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون لعلمه وحكمته وعدله.

إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

ولهذا قال تعالى "إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون" وفي الحديث عن أبي ذر عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل "يا عبادي إنى حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا - إلى أن قال في آخره- يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" رواه مسلم بطوله.

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ

يقول تعالى مذكرا للناس قيام الساعة وحصرهم من أجداثهم إلى عرصات القيامة "ويوم يحشرهم" الآية كقوله "كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار" وكقوله "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها" وقال تعالى "يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما" وقال تعالى "ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة" الآيتين وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الآخرة كقوله "قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون" وقوله "يتعارفون بينهم" أي يعرف الأبناء والأباء والقرابات بعضهم لبعض كما كانوا في الدنيا ولكن كل مشغول بنفسه "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم" الآية وقال تعالى "ولا يسأل حميم حميما" الآيات; وقوله "قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين" كقوله تعالى "ويل للمكذبين" لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ولا خسارة أعظم من خسارة من فرق بينه وبين أحبته يوم الحسرة والندامة.

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ

يقول تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم "وإما نرينك بعض الذي نعدهم" أي ننتقم منهم في حياتك لتقر عينك منهم "أو نتوفينك فإلينا مرجعهم" أي مصيرهم ومنقلبهم والله شهيد على أفعالهم بعدك وقد قال الطبراني: حدثنا عبدالله بن أحمد حدثنا عقبة بن مكرم حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا داود بن الجارود عن أبي السليل عن حذيفة بن أسيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "عرضت علي أمتي البارحة لدى هذه الحجرة أولها وآخرها" فقال رجل: يا رسول الله عرض عليك من خلق فكيف من لم يخلق؟ فقال "صوروا لي في الطين حتى أني لأعرف بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه" ورواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن عقبة بن مكرم عن يونس بن بكير عن زياد بن المنذر عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد به نحوه.

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ

وقوله "ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم" قال مجاهد يعني يوم القيامة "قضي بينهم بالقسط" الآية كقوله تعالى "وأشرقت الأرض بنور ربها" الآية; فكل أمة تعرض على الله بحضرة رسولها وكتاب أعمالها من خير وشر موضوع شاهد عليهم وحفظتهم من الملائكة شهود أيضا أمة بعد أمة وهذه الأمة الشريفة وإن كانت آخر الأمم في الخلق إلا أنها أول الأمم يوم القيامة يفصل بينهم ويقضي لهم كما جاء في الصحيحين عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق" فأمته إنما حازت قصب السبق بشرف رسولها صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين.

وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

يقول تعالى مخبرا عن كفر هؤلاء المشركين في استعجالهم العذاب وسؤالهم عن وقته قبل التعين مما لا فائدة لهم فيه كقوله "يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق" أي كائنة لا محالة وواقعة وإن لم يعلموا وقتها عينا ولهذا أرشد تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى جوابهم.

قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ

فقال "قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا" الآية أي لا أقول إلا ما علمني ولا أقدر على شيء مما استأثر به إلا أن يطلعني الله عليه فأنا عبده ورسوله إليكم وقد أخبرتكم بمجيء الساعة وأنها كائنة ولم يطلعني على وقتها ولكن "لكل أمة أجل" أي لكل قرن مدة من العمر مقدرة فإذا انقضى أجلهم "فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" كقوله "ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها" الآية ثم أخبر أن عذاب الله سيأتيهم بغتة.

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ

فقال "قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا" أي ليلا أو نهارا "ماذا يستعجل منه المجرمون"

أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ ۚ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ

"أثم إذا ما وقع آمنتم به الآن وقد كنتم به تستعجلون" يعني أنهم إذا جاءهم العذاب قالوا "ربنا أبصرنا وسمعنا" الآية وقال تعالى "فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشـركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون".

ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ

"ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد" أي يوم القيامة يقال لهم هذا تبكيتا وتقريعا كقوله "يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون"

وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ

يقول تعالى ويستخبرونك "أحق هو" أي الميعاد والقيامة من الأجداث بعد صيرورة الأجسام ترابا " قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين" أي ليس صيرورتكم ترابا بمعجز الله عن إعادتكم كما بدأكم من العدم فـ"إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" وهذه الآية ليس لها نظير في القرآن إلا آيتان أخريان يأمر الله تعالى رسوله أن يقسم به على من أنكر المعاد في سورة سبأ "وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم" وفي التغابن "زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير".