Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة النساء 87 - 91]




(اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا * فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا * سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ۚ فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)
[سورة النساء 87 - 91]

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا
وقوله الله لا إله إلا هو إخبار بتوحيده وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات وتضمن قسما لقوله "ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه" وهذه اللام موطئة للقسم فقوله "الله لا إله إلا هو" خبر وقسم أنه سيجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد فيجازى كل عامل بعمله وقوله تعالى"ومن أصدق من الله حديثا" أي لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره ووعده ووعيده فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا
يقول تعالى منكرا على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين على قولين: واختلف في سبب ذلك فقال الإمام أحمد حدثنا بهز حدثنا شعبة قال عدي بن ثابت أخبرني عبدالله بن يزيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول: لا هم المؤمنون فأنزل الله فما لكم في المنافقين فئتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد" أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في وقعة أحد أن عبدالله بن أبي ابن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش رجع بثلثمائة وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبعمائة وقال العوفي عن ابن عباس نزلت في قوم كانوا بمكة قد تكلموا بالإسلام وكانوا يظاهرون المشركين فخرجوا من مكة يطلبون حاجة لهم فقالوا إن لقينا أصحاب محمد فليس علينا منهم بأس وإن المؤمنين لما أخبروا أنهم قد خرجوا من مكة قالت فئة من المؤمنين اركبوا إلى الجبناء فاقتلوهم فإنهم يظاهرون عليكم عدوكم: وقالت فئة أخرى من المؤمنين سبحان الله أو كما قالوا أتقتلون قوما قد تكلموا بمثل ما تكلمتم به من أجل أنهم لم يهاجروا ولم يتركوا ديارهم نستحل دماءهم وأموالهم فكانوا كذلك فئتين والرسول عندهم لا ينهي واحدا من الفريقين عن شيء فنزلت "فما لكم في المنافقين فئتين". رواه ابن أبي حاتم وقد روى عن أبي سلمة بن عبدالرحمن وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم قريب من هذا وقال زيد بن أسلم عن ابن لسعد بن معاذ أنها نزلت في تقاول الأوس والخزرج في شأن عبدالله بن أبي حين استعذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر في قضية الإفك وهذا غريب وقيل غير ذلك وقوله تعالى والله "أركسهم بما كسبوا" أي ردهم وأوقعهم في الخطأ قال ابن عباس "أركسهم" أي أوقعهم وقال قتادة أهلكهم وقال السدي أضلهم وقوله بما كسبوا أي بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل "أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا" أي لا طريق له إلى الهدى ولا مخلص له إليه.
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا
وقوله "ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء" أي هم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم فيها وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم لكم ولهذا قال "فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا" أي تركوا الهجرة قاله العوفي عن ابن عباس وقال السدي أظهروا كفرهم فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا أي لا توالوهم ولا تستنصروا بهم على أعداء الله ما داموا كذلك ثم استثنى الله من هؤلاء.
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا
فقال "إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق" أي إلا الذين لجأوا وتحيزوا إلى قوم بينكم وبينهم مهادنه أو عقد ذمة فاجعلوا حكمهم كحكمهم وهذا قول السدي وابن زيد وابن جرير. وقد روى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي حدثهم قال: لما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم على أهل بدو وأحد وأسلم من حولهم قال سراقة بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج فأتيته فقلت أنشدك النعمة فقالوا صه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "دعوه ما تريد؟" قال بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي وأنا أريد أن توادعهم فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام وإن لم يسلموا لم تخشن قلوب قومك عليهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد خالد بن الوليد فقال اذهب معه فافعل ما يريد فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أسلمت قريش أسلموا معهم فأنزل الله ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء" ورواه ابن مردوية من طريق حماد بن سلمة وقال فأنزل الله "إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق" فكان من وصل إليهم كان معهم على عهدهم وهذا أنسب لسياق الكلام. وفي صحيح البخاري في قصة صلح الحديبية فكان من أحب أن يدخل في صلح قريش وعهدهم ومن أحب أن يدخل في صلح محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعهدهم. وقد روى عن ابن عباس أنه قال نسخها قوله "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" الآية. وقوله "أو جاءوكم حصرت صدورهم" الآية. هؤلاء قوم آخرون من المستثنين من الأمر بقتالهم وهم الذين يجيؤن إلى المصاف وهم حصرت صدورهم أي ضيقة صدورهم مبغضين أن يقاتلوكم ولا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم بل هم لا لكم ولا عليكم "ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم" أي من لطفه بكم أن كفهم عنكم "فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم" أي المسالمة"فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" أي فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين فحضروا القتال وهم كارهون كالعباس ونحوه ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ عن قتل العباس وأمر بأسره.
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ۚ فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا
وقوله "ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم" الآية. هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك فإن هؤلاء قوم منافقون يظهرون للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الإسلام ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ويصانعون الكفار في الباطن فيعبدون معهم ما يعبدون ليأمنوا بذلك عندهم وهم في الباطن مع أولئك كما قال تعالى "وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم" الآية. وقال ههنا "كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها" أي انهمكوا فيها. وقال السدي الفتنة ههنا الشرك. وحكى ابن جرير عن مجاهد أنها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قريس فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا فأمر بقتلهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا ولهذا قال تعالى "فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم" المهادنة والصلح "ويكفوا أيديهم" أي عن القتال "فخذوهم" أسراء "واقتلوهم حيث ثقفتموهم" أي أين لقيتموهم "وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا" أي بينا واضحا.