Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة النساء 148 - 154]


(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا * إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا * أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُبِينًا * وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)
[سورة النساء 148 - 154]
لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية يقول لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه وذلك قوله "إلا من ظلم" وإن صبر فهو خير له وقال أبو داود: حدثنا عبدالله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا سفيان عن حبيب عن عطاء عن عائشة قال سرق لها شيء فجعلت تدعو عليه فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم " لا تسبخي عنه " وقال الحسن البصري لا يدع عليه وليقل اللهم أعني عليه واستخرج حقي منه وفي رواية عنه قال: قد رخص له أن يدعو على من ظلمه من غير أن يعتدي عليه وقال عبدالكريم بن مالك الجزري في هذه الآية هو الرجل يشتمك فتشتمه ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه لقوله " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل" وقال أبو داود: حدثنا القعنبي حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم " وقال عبدالرزاق أنبأنا المثنى بن الصباح عن مجاهد في قوله "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول" إلا من ظلم قال ضاف رجل رجلا فلم يؤد إليه حق ضيافته فلما خرج أخر الناس فقال: ضفت فلانا فلم يؤد إلي حق ضيافتي قال فذلك الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم حتى يؤدي الآخر إليه حق ضيافته وقال ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم قال: قال هو الرجل ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فيخرج فيقول أساء ضيافتي ولم يحسن. وفي رواية هو الضيف المحول رحله فإنه يجهر لصاحبه بالسوء من القول وكذا روى عن غير واحد عن مجاهد نحو هذا وقد روى الجماعة سوى النسائي والترمذي من طريق الليث بن سعد والترمذي من حديث ابن لهيعة كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبدالله عن عقبة بن عامر قال: قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقرونا فما ترى في ذلك ؟ فقال " إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا منهم وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم " وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت أبا الجودي يحدث عن سعد بن المهاجر عن المقدام بن أبي كريمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أيما مسلم ضاف قوما فأصبح الضيف محروما فإن حقا على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله " تفرد به أحمد من هذا الوجه وقال أحمد أيضا: حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن منصور عن الشعبي عن المقدام بن أبي كريمة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليلة الضيف واجبة على كل مسلم فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا عليه فإن شاء اقتضاه وإن شاء تركه " ثم رواه أيضا عن غندر عن شعبة. وعن زياد بن عبدالله البكائي عن وكيع وأبي نعيم عن سفيان الثوري ثلاثتهم عن منصور به وكذا رواه أبو داود من حديث أبي عوانة عن منصور به. ومن هذه الأحاديث وأمثالها ذهب أحمد وغيره إلى وجوب الضيافة ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا عمر بن علي حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا محمد بن عجلان عن أبيه عن أبى هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارا يؤذيني فقال له: " أخرج متاعك فضعه على الطريق " فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريق فكل من مر به قال: مالك ؟ قال: جارى يؤذيني فيقول اللهم العنه اللهم أخزه قال: فقال الرجل ارجع إلى منزلك والله لا أوذيك أبدا وقد رواه أبو داود في كتاب الأدب عن أبي توبة الربيع عن نافع عن سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر عن محمد بن عجلان به ثم قال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ورواه أبو جحيفة وهب بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم ويوسف بن عبدالله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا
وقوله: أي إن تظهروا أيها الناس خيرا أو أخفيتموه أو عفوتم عمن أساء إليكم فإن ذلك مما يقربكم عند الله ويجزل ثوابكم لديه فإن من صفاته تعالى "أن يعفو عن عباده مع قدرته على" عقابهم ولهذا قال: فإن الله كان عفوا قديرا ولهذا ورد في الأثر أن حملة العرش يسبحون الله فيقول بعضهم: سبحانك على حلمك بعد علمك ويقول بعضهم سبحانك على عفوك بعد قدرتك وفي الحديث الصحيح " ما نقص مال من صدقة ولا زاد الله عبدا يعفو إلا عزا ومن تواضع لله رفعه ".
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا
يتوعد تبارك وتعالى الكافرين به وبرسله من اليهود والنصارى حيث فرقوا بين الله ورسله في الإيمان فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه آباءهم لا عن دليل قادهم إلى ذلك فإنه لا سبيل لهم إلى ذلك بل بمجرد الهوى والعصبية فاليهود عليهم لعائن الله آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام والنصارى آمنوا بالأنبياء وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد صلى والسامرة لا يؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران والمجوس يقال إنهم كانوا يؤمنون بنبي لهم يقال له زرادشت ثم كفروا بشرعه فرفع من بين أظهرهم والله أعلم. والمقصود أن من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض فمن رد نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيمانا شرعيا إنما هو عن غرض وهوى وعصبية ولهذا قال تعالى إن الذين يكفرون بالله ورسله فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله أي في الإيمان ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أي طريقا ومسلكا.
أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
ثم أخبر تعالى عنهم فقال: 0أولئك هم الكافرون حقا" أي كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به لأنه ليس شرعيا إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره وبمن هو أوضح دليلا وأقوى برهانا منه لو نظروا حق النظر في نبوته وقوله "وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا أي كما استهانوا بمن كفروا به إما لعدم نظرهم" فيما جاءهم به من الله وإعراضهم عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة وخالفوه وكذبوه وعادوه وقاتلوه فسلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي "وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله" في الدنيا والآخرة.
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَٰئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
وقوله: "والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم" يعني بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم يؤمنون بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي بعثه الله كما قال تعالى "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله" الآية. ثم أخبر تعالى بأنه قد أعد لهم الجزاء الجزيل والثواب الجليل والعطاء الجميل فقال أولئك سوف يؤتيهم أجورهم على ما آمنوا بالله ورسله "وكان الله غفورا رحيما" أي لذنوبهم أي إن كان لبعضهم ذنوب.
يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُبِينًا
قال محمد بن كعب القرظي والسدي وابن قتادة: سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء كما نزلت التوراة على موسى مكتوبة قال ابن جريج: سألوه أن ينزل عليهم صحفا من الله مكتوبة إلى فلان وفلان وفلان بتصديقه فيما جاءهم به وهذا إنما قالوه على سبيل التعنت والعناد والكفر والإلحاد كما سأل كفار قريش قبلهم نظير ذلك كما هو مذكور في سورة سبحان وقالوا "لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا" الآيات ولهذا قال تعالى "فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم" أي بطغيانهم وبغيهم وعتوهم وعنادهم وهذا مفسر في سورة البقرة حيث يقول تعالى" وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون" وقوله تعالى"ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات" أي من بعد ما رأوا من الآيات الباهرة والأدلة القاهرة على يد موسى عليه السلام في بلاد مصر وما كان من إهلاك عدو الله فرعون وجميع جنوده في اليم فما جاوزوه إلا يسيرا حتى أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا لموسى "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة" الآيتين ثم ذكر تعالى قصة اتخاذهم العجل مبسوطة في سورة الأعراف وفي سورة طه بعد ذهاب موسى إلى مناجاة الله عز وجل "ثم لما رجع وكان ما كان جعل الله توبتهم " من الذي صنعوه وابتدعوه أن يقتل من لم يعبد العجل منهم من عبده فجعل يقتل بعضهم بعضا ثم أحياهم الله عز وجل وقال الله تعالى"فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا".
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
ثم قال "ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم" وذلك حين امتنعوا من الالتزام بأحكام التوراة وظهر منهم إباء عما جاءهم به موسى عليه السلام ورفع الله على رؤسهم جبلا ثم ألزموا فالتزموا وسجدوا وجعلوا ينظرون إلى فوق رءوسهم خشية أن يسقط عليهم كما قال تعالى "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة" الآية "وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا" أي فخالفوا ما أمروا به من القول والفعل فإنهم أمروا أن يدخلوا باب بيت القدس سجدا وهم يقولون حطة. أي اللهم حط عنا ذنوبنا في تركنا الجهاد ونكولنا عنه حتى تهنا في التيه أربعين سنة فدخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنطة في شعرة "وقلنا لهم لا تعدوا في السبت" أي وصيناهم بحفظ السبت والتزام ما حرم الله عليهم ما دام مشروعا لهم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا أي شديدا فخالفوا وعصوا وتحيلوا على ارتكاب ما حرم الله عز وجل كما هو مبسوط في سورة الأعراف عند قوله: "واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر" الآيات وسيأتي حديث صفوان بن عسال في سورة سبحان عند قوله: "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات وفيه": وعليكم خاصة يهود أن لا تعدوا في السبت.