Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة النساء 102 - 105]



(وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا * وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)
[سورة النساء 102 - 105]

وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
صلاة الخوف أنواع كثيرة فإن العدو تارة يكون تجاه القبلة وتارة يكون في غير صوبها والصلاة تكون رباعية وتارة تكون ثلاثية كالمغرب: وتارة تكون ثنائية كالصبح وصلاة السفر ثم تارة يصلون جماعة وتارة يلتحم الحرب فلا يقدرون على الجماعة بل يصلون فرادى مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ; ورجالا وركبانا ولهم أن يمشوا والحالة هذه ويضربوا الضرب المتتابع في متن الصلاة. ومن العلماء من قال: يصلون والحالة هذه ركعة واحدة لحديث ابن عباس المتقدم. وبه قال أحمد بن حنبل قال المنذري في الحواشي وبه قال عطاء وجابر والحسن ومجاهد والحكم وقتادة وحماد وإليه ذهب طاوس والضحاك وقد حكى أبو عصام العبادي عن محمد بن نصر المروزي أنه يرى رد الصبح إلى ركعة في الخوف وإليه ذهب ابن حزم أيضا وقال إسحاق بن راهويه: أما عند المسايفة فيجزيك ركعة واحدة توميء بها إيماء. فإن لم تقدر فسجدة واحدة لأنها ذكر الله وقال آخرون يكفي تكبيرة واحدة فلعله أراد ركعة واحدة كما قاله الإمام أحمد بن حنبل وأصحابه وبه قال جابر بن عبدالله وعبدالله بن عمر وكعب وغير واحد من الصحابة والسدى ورواه ابن جرير ولكن الذين حكوه إنما حكوه على ظاهره في الاجتزاء بتكبيرة واحدة كما هو مذهب إسحاق بن راهويه وإليه ذهب الأمير عبدالوهاب بن بخت المكي حتى قال: فإن لم يقدر على التكبيرة فلا يتركها في نفسه يعني بالنية رواه سعيد بن منصور في سننه عن إسماعيل بن عياش عن شعيب بن دينار عنه فالله أعلم. ومن العلماء من أباح تأخير الصلاة لعذر القتال والمناجزة كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب الظهر والعصر فصلاهما بعد الغروب ثم صلى بعدهما المغرب ثم العشاء وكما قال بعدها يوم بني قريظة حين جهز إليهم الجيش لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة فأدركتهم الصلاة في أثناء الطريق فقال منهم قائلون: لم يرد منا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تعجيل المسير ولم يرد منا تأخر الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها في الطريق وأخر آخرون منهم صلاة العصر فصلوها في بنى قريظة بعد الغروب ولم يعنف رسول الله صلى أحدا من الفريقين وقد تكلمنا على هذا في كتاب السيرة وبينا أن الذين صلوا العصر لوقتها أقرب إلى إصابة الحق في نفس الأمر وإن كان الآخرون معذورين أيضا والحجة ههنا في عذرهم في تأخير الصلاة لأجل الجهاد والمبادرة إلى حصار الناكثين للعهد من الطائفة الملعونة اليهود. وأما الجمهور فقالوا هذا كله منسوخ بصلاة الخوف فإنها لم تكن نزلت بعد فلما نزلت نسخ تأخير الصلاة لذلك وهذا أبين في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه الشافعي رحمه الله وأهل السنن ولكن يشكل عليه ما حكاه البخاري في صحيحه حيث قال " باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو" قال الأوزاعي إن كان تهيأ الفتح ولم يقدروا على الصلاة صلوا إيماء كل امرئ لنفسه فإن لم يقدروا على الإيماء أخروا الصلاة حتى ينكشف القتال أو يأمنوا فيصلوا ركعتين فإن لم يقدروا صلوا ركعة وسجدتين فإن لم يقدروا فلا يجزيهم التكبير ويؤخرونها حتى يأمنوا وبه قال مكحول وقال أنس بن مالك: حضرت عند مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر واشتد اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلاة فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا قال أنس: وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها انتهى ما ذكره ثم أتبعه بحديث تأخير الصلاة يوم الأحزاب ثم بحديث أمره إياهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وكأنه المختار لذلك والله أعلم. ولمن جنح إلى ذلك له أن يحتج بصنيع أبي موسى وأصحابه يوم فتح تستر فإنه يشتهر غالبا ولكن كان ذلك في إمارة عمر بن الخطاب ولم ينقل أنه أنكر عليهم ولا أحد من الصحابة والله أعلم قال هؤلاء وقد كانت صلاه الخوف مشروعة في الخندق لأن غزوة ذات الرقاع كانت قبل الخندق في قول جمهور علماء السير والمغازي وممن نص على ذلك محمد بن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي ومحمد بن سعد كاتبه وخليفة بن الخياط وغيرهم وقال البخاري وغيره كانت ذات الرقاع بعد الخندق لحديث أبي موسى وما قدم إلا في خيبر والله أعلم. والعجب كل العجب أن المزنى وأبا يوسف القاضي وإبراهيم بن إسماعيل بن علية ذهبوا إلى أن صلاة الخوف منسوخة بتأخيره عليه الصلاة والسلام يوم الخندق وهذا غريب جدا وقد ثبتت الأحاديث بعد الخندق بصلاة الخوف وحمل تأخير الصلاة يومئذ على ما قاله مكحول والأوزاعي أقوى وأقرب والله أعلم فقوله تعالى " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة" أي إذا صليت بهم إماما في صلاة الخوف وهذه حاله غير الأولى فإن تلك قصرها إلى ركعة كما دل عليه الحديث - فرادى ورجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها ثم ذكر حال الاجتماع والإئتمام بإمام واحد وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك وأما من استدل بهذه الآية على أن صلاة الخوف منسوخة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لقوله "وإذا كنت فيهم" فبعده تفوت هذه الصفة فإنه استدلال ضعيف ويرد عليه مثل قول مانعي الزكاة الذين احتجوا بقوله"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم" قالوا فنحن لا ندفع زكاتنا بعده صلى الله عليه وسلم إلى أحد بل نخرجها نحن بأيدينا على من نراه ولا ندفعها إلا إلى من صلاته أي دعاؤه سكن لنا ومع هذا رد عليهم الصحابة وأبوا عليهم هذا الاستدلال وأجبروهم على أداء الزكاة وقاتلوا من منعها منهم ولنذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة أولا قبل ذكر صفتها قال ابن جرير حدثني ابن المثنى حدثني إسحاق حدثنا عبدالله بن هاشم أنبأنا سيف عن أبي روق عن أبي أيوب عن علي رضي الله عنه قال: سأل قوم من بني النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي فأنزل الله عز وجل "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" ثم انقطع الوحي فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم إن لهم أخرى مثلها في أثرها قال فأنزل الله عز وجل بين الصلاتين "إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا" الآيتين فنزلت صلاة الخوف وهذا سياق غريب جدا ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت رضي الله عنه عند الإمام أحمد وأهل السنن فقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا الثوري عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا رسول الله صلى الظهر فقالوا لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ثم قالوا يأتى عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم قال فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة" قال فحضرت فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح قال: فصفنا خلفه صفين قال: ثم ركع فركعنا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم ركع فركعوا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم ثم انصرف. قال: فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم. ثم رواه أحمد عن غندر عن شعبة عن منصور به نحوه وهكذا رواه أبو داود عن سعيد بن منصور عن جرير بن عبدالحميد والنسائي من حديث شعبة وعبدالعزيز بن عبدالصمد كلهم عن منصور به وهذا إسناد صحيح وله شواهد كثيرة فمن ذلك ما رواه البخاري حيث قال: حدثنا حيوة بن شريح حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عبدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه فكبر وكبروا معه وركع وركع ناس منهم ثم سجد وسجدوا معه ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه والناس كلهم في الصلاة ولكن يحرس بعضهم بعضا وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن سليمان بن قيس اليشكري أنه سأل جابر بن عبدالله عن إقصار الصلاة أي يوم أنزل أو أي يوم هو فقال جابر: انطلقنا نتلقى عيرا لقريش آتية من الشام حتى إذا كنا بنخلة جاء رجل من القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد هل تخافني قال " لا " قال فمن يمنعك مني قال " الله يمنعني منك " قال: فسل السيف ثم تهدده وأوعده ثم نادى بالترحل وأخذ السلاح ثم نودي بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة من القوم وطائفة أخرى تحرسهم فصلى الله عليه وسلم بالذين يلونه ركعتين ثم تأخر الذين يلونه على أعقابهم فقاموا في مصاف أصحابهم ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين والآخرون يحرسونهم ثم سلم فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين فيومئذ أنزل الله في إقصار الصلاة وأمر المؤمنين بأخذ السلاح. ورواه الإمام احمد فقال: حدثنا شريح حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس اليشكري عن جابر بن عبدالله قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب حفصة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال: من يمنعك مني قال " الله " فسقط السيف من يده فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ومن يمنعك مني "قال: كن خير آخذ قال " أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " ؟ قال لا ولكن أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فقال جئتكم من عند خير الناس فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فكان الناس طائفتين طائفة بإزاء العدو وطائفة صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالطائفة الذين معه ركعتين وانصرفوا فكانوا مكان الطائفة الذين كانوا بإزاء العدو ثم انصرف الذين كانوا بإزاء العدو فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين ركعتين تفرد به من هذا الوجه وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو قطن عمر بن الهيثم حدثنا المسعودي عن يزيد الفقير قال: سألت جابر بن عبدالله عن الركعتين في السفر أقصرهما فقال: الركعتان في السفر تمام إنما القصر واحدة عند القتال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال إذ أقيمت الصلاة فقام رسول الله صلى فصف بطائفة وطائفة وجهها قبل العدو فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين ثم الذين خلفوا انطلقوا إلى أولئك فقاموا مقامهم ومكانهم نحو ذا وجاء أولئك فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجـدتين ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس وسلم وسلم الذين خلفه وسلم أولئك فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وللقوم ركعة ركعة ثم قرأ وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة الآية وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبه عن الحكم عن يزيد الفقير عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى بهم صلاة الخوف فقام صف بن يديه وصف خلفه فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم وجاء أولئك حتى قاموا في مقام هؤلاء فصلى بهم رسول الله صلى ركعة وسجدتين ثم سلم فكانت للنبي صلى الله عليه وأله وسلم ركعتين ولهم ركعة ورواه النسائي من حديث شعبة ولهذا الحديث طرق عن جابر وهو في صحيح مسلم من وجه آخر بلفظ آخر وقد رواه عن جابر جماعة كثيرون في الصحيح والسنن والمسانيد. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عبدالله بن المبارك أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة" قال هي صلاة الخوف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مقبلة على العدو وأقبلت الطائفة الأخرى التي كانت مقبله على العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى ثم سلم بهم ثم قامت كل طائفة منهم فصلت ركعة ركعة وهذا الحديث رواه الجماعة في كتبهم من طريق معمر به ولهذا الحديث طرق كثيرة عن الجماعة من الصحابة وقد أجاد الحافظ أبو بكر بن مردويه في سرد طرقه وألفاظه وكذا ابن جرير ولنحرره في كتاب الأحكام الكبير إن شاء الله وبه الثقة وأما الأمر بحمل السلاح في صلاة الخوف فمحمول عند طائفة من العلماء على الوجوب لظاهر الآية وهو أحد قولي الشافعي ويدل عليه قول الله تعالى "ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم" أي بحيث تكونون على أهبة إذا احتجتم إليها لبستموها بلا كلفة "إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا".
فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا
يأمر الله تعالى بكثرة الذكر عقيب صلاة الخوف وإن كان مشروعا مرغبا فيه أيضا بعد غيرها ولكن هاهنا آكد لما وقع فيها من التخفيف في أركانها ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب وغير ذلك مما ليس يوجد في غيرها كما قال تعالى في الأشهر الحرم "فلا تظلموا فيهن أنفسكم" وإن كان هذا منهيا عنه في غيرها ولكن فيها آكد لشدة حرمتها وعظمها ولهذا قال تعالى "فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم" أي في سائر أحوالكم ثم قال تعالى "فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة" أي فإذا أمنتم وذهب الخوف وحصلت الطمأنينة "فأقيموا الصلاة" أي فأتموها وأقيموها كما أمرتم بحدودها وخشوعها وركوعها وسجودها وجميع شؤونها وقوله تعالى"إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" قال ابن عباس أي مفروضا وقال أيضا: أن للصلاة وقتا كوقت الحج وكذا روى عن مجاهد وسالم بن عبدالله وعلي بن الحسين ومحمد بن علي والحسن ومقاتل والسدي وعطية العوفي وقال عبدالرزاق عن معمر عن قتادة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قال ابن مسعود: إن للصلاة وقتا كوقت الحج وقال زيد بن أسلم إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قال منجما كلما مضى نجم جاء نجم يعني كلما مضى وقت وجاء وقت.
وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
وقوله تعالى "ولا تهنوا في ابتغاء القوم" أي لا تضعفوا في طلب عدوكم بل جدوا فيهم وقاتلوهم واقعدوا لهم كل مرصد "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون أي كما يصيبكم الجراح والقتل كذلك يحصل لهم كما قال تعالى إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ثم قال تعالى "وترجون من الله ما لا يرجون" أي أنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم وإياهم والجراح والآلام ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى وهو وعد حق وخبر صدق وهم لا يرجون شيئا من ذلك فأنتم أولى بالجهاد منهم وأشد رغبة فيه وفي إقامة كلمة الله وإعلائها "وكان الله عليما حكيما" أي هو أعلم وأحكم فيما يقدره ويقضيه وينفذه ويمضيه من أحكامه الكونية والشرعية وهو المحمود على كل حال.
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا
يقول تعالى مخاطبا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق" أي هو حق من الله وهو يتضمن الحق في خبره وطلبه وقوله "لتحكم بين الناس بما أراك الله" احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلى له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية وبما ثبت في الصحيحين عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى اله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال " ألا إنما أنا بشر وإنما أقضي بنحو مما أسمع ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو ليذرها " وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا أسامة بن زيد عن عبدالله بن رافع عن أم سلمة قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست ليس عندهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها انتظاما في عنقه يوم القيامة " فبكى الرجلان وقال كل منهـا: حقي لأخي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق بينكما ثم استهما ثم ليحلل كل منكما صاحبه " وقد رواه أبو داود من حديث أسامة بن زيد به وزاد " إني إنما أقضى بينكما برأي فيما لم ينزل علي فيه " وقد روى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس أن نفرا من الأنصار غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فسرقت درع لأحدهم فأظن بها رجل من الأنصار فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء وقال لنفر من عشيرته إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان وستوجد عنده فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلا فقالوا: يا نبي الله إن صاحبنا برئ وإن صاحب الدرع فلان وقد أحطنا بذلك علما فاعذر صاحبنا على رءوس الناس وجادل عنه فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأه وعذره على رؤس الناس فأنزل الله "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم" الآية ثم قال تعالى للذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين بالكذب يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله الآيتين. يعني الذين أتوا رسول الله صلى مستخفين يجادلون عن الخائنين ثم قال عز وجل ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه الآية يعني الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين بالكذب ثم قال ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا يعني السارق والذين جادلوا عن السارق وهذا سياق غريب وقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدى وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة وقد روى هذه القصة محمد بن إسحاق مطولة فقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية من جامعه وابن جرير في تفسيره: حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني حدثنا محمد بن سلمة الحراني حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله لبعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا وقال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الرجل الخبيث أو كما قال الرجل وقالوا ابن الأبيرق قالها قالوا وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع وسيف فعدى عليه من تحت البيت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح فلما أصبح أتاني عمى رفاعة فقال: يا ابن أخي إنه قد عدى علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا قال فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال: وكان بنو أبيرق قالوا - ونحن نسأل في الدار- والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة قالوا: إليك عنا أيها الرجل فما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي: يا ابن أخى لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له قال قتادة فأتيت رسول الله صلى فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم " سآمر في ذلك" فلما سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسيد بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال " عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة " قال فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت ؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله المستعان فلم نلبث أن نزل القرآن "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما" يعني بني أبيرق.