Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة آل عمران 166 - 173]





(وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)
[سورة آل عمران 166 - 173]
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ
قال تعالى "وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله" أي فراركم بين يدي عدوكم وقتلهم لجماعة منكم وجراحتهم لآخرين كان بقضاء الله وقدره وله الحكمة فى ذلك "وليعلم المؤمنين" أي الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا.
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ
"وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم" يعني بذلك أصحاب عبدالله بن أبي ابن سلول الذين رجعوا معه في أثناء الطريق فاتبعهم رجال من المؤمنين يحرضونهم على الإتيان والقتال والمساعدة ولهذا قال "أو ادفعوا" قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وأبو صالح والحسن والسدي: يعني كثروا سواد المسلمين وقال الحسن بن صالح ادفعوا بالدعاء وقال غيره رابطوا فتعللوا "قائلين لو نعلم قتالا لاتبعناكم" قال مجاهد يعنون لو نعلم أنكم تلقون حربا لجئناكم ولكن لا تلقون قتالا. قال محمد بن إسحق: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حيان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كلهم قد حدث قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حين خرج إلى أحد في ألف رجل من أصحابه حتى إذا كان بالشوط بين أحد والمدينة انحاز عنه عبدالله بن أبي ابن سلول بثلث الناس فقال: أطاعهم فخرج وعصاني ووالله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله أن لا تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكن لا نرى أن يكون قتال فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم قال: أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الله عز وجل "هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان" استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال فيكون في حال أقرب إلى الكفر وفي حال أقرب إلى الإيمان لقوله "هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان" ثم قال تعالى "يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم" يعني أنهم يقولون القول ولا يعتقدون صحته ومنه قولهم هذا "لو نعلم قتالا لاتبعناكم فإنهم يتحققون أن جندا من المشركين قد جاءوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين بسب ما أصيب من أشرافهم يوم بدر وهم أضعاف المسلمين أنه كائن بينهم قتالا لا محالة ولهذا قال تعالى "والله أعلم بما يكتمون".
الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
قال تعالى "الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا" أي لو سمعوا من مشورتنا عليهم في القعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل قال الله تعالى "قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين" أي إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت فينبغي أنكم لا تموتون والموت لابد آت إليكم ولو كنتم في بروج مشيدة فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين. قال مجاهد عن جابر بن عبدالله: نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي ابن سلول وأصحابه.
وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار. قال محمد بن جرير: حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا عمرو بن يونس عن عكرمة حدثنا إسحق بن أبي طلحة حدثني أنس بن مالك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم نبي الله إلى أهل بئر معونه قال: لا أدري أربعين أو سبعين وعلى ذلك الماء عامر بن الطفيل الجعفري فخرج أولئك النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوا غارا مشرفا على الماء فقعدوا فيه ثم قال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء فقال - أراه أبو ملحان الأنصاري ـ أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى أتى حول بيتهم فاجتثى أمام البيوت ثم قال يا أهل بئر معونة إني رسول الله إليكم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج إليه رجل من كسر البيت برمح فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر فقال: الله أكبر فزت ورب الكعبة فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم أجميعن عامر بن الطفيل وقال ابن إسحق: حدثني أنس بن مالك أن الله أنزل فيهم قرآنا بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناها زمانا وأنزل الله تعالى "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق قال: إنا سألنا عبدالله عن هذه الآية. "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع عليهم ربهم إطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ فقالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا" وقد روي نحوه من حديث أنس وأبي سعيد " حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا عبدالصمد حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا إلا الشهيد فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى مما يرى من فضل الشهادة" تفرد به مسلم من طريق حماد. " حديث آخر" قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبدالله المديني حدثنا سفيان بن محمد بن علي بن ربيعة السلمي عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن جابر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعلمت أن الله أحيا أباك فقال له: تمن فقال له أردّ الدنيا فأقتل فيك مرة أخرى قال: إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون" تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن أبا جابر وهو عبدالله بن عمر وبن حرام الأنصاري رضي الله عنه قتل يوم أحد شهيدا. قال البخاري: وقال أبو الوليد عن شعبة عن ابن المنكدر سمعت جابرا قال: لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تبكه- أو ما تبكيه - ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع" وقد أسنده هو ومسلم والنسائي من طرق عن شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: لما قتل أبي يوم أحد جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وذكر تمامة بنحوه " حديث آخر" قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن أبي إسحق حدثنا إسماعيل بن أمية بن عمرو بن سعيد عن أبي الزبير المكي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله هذه الآيات "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" وما بعدها". وهكذا رواه أحمد ورواه ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن إسحق به. ورواه أبو داود والحاكم في مستدركه من حديث عبدالله بن إدريس عن محمد بن إسحق به ورواه أبو داود والحاكم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكره وهذا أثبت. وكذا رواه سفيان الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - وروى الحاكم في مستدركه من حديث أبي إسحق الفزاري عن سفيان بن إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وكذا قال قتادة والربيع والضحاك أنها نزلت في قتلى أحد. " حديث آخر" قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبدالله بن جعفر حدثنا هارون بن سليمان أنبأنا علي بن عبدالله المديني أنبأنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشير بن الفاكه الأنصاري سمعت طلحة بن خراش بن عبدالرحمن بن خراش بن الصمت الأنصاري قال: سمعت جابر بن عبدالله قال: نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال "يا جابر مالي أراك مهتما؟" قلت يا رسول الله استشهد أبي وترك دينا وعيالا قال: فقال "ألا أخبرك ما كلم الله أحد قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحا" قال علي: والكفاح المواجهة "قال سلني أعطك قال: أسألك أن أرد إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب عز وجل إنه قد سبق مني القول أنهم إليها لا يرجعون قال أي رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا" الآية. ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن سليمان بن سليط الأنصاري عن أبيه عن جابر به نحوه وكذا رواه البيهقي في دلائل النبوة من طريق علي بن المديني به وقد رواه البيهقي أيضا من حديث أبي عبادة الأنصاري وهو عيسى بن عبدالله إن شاء الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر "يا جابر ألا أبشرك" قال: بلى بشرك الله بالخير قال "شعرت بأن الله أحيا أباك فقال تمن علي عبدي ما شت أعطكه قال: يا رب ما عبدتك حق عبادتك أتمنى عليك أن تردني إلى الدنيا فأقاتل مع نبيك وأقتل فيك مرة أخرى قال إنه سلف مني أنه إليها لا يرجع". " حديث آخر" قال الإمام أحمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحق حدثنا الحارث بن فضيل الأنصاري عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الشهداء على بارق نهر بباب الجنة فيه قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية" تفرد به أحمد وقد رواه ابن جريج عن أبي كريب حدثنا عبدالرحمن بن سليمان وعبيدة عن محمد بن إسحق وبه وهو إسناد جيد وكأن الشهداء أقسام منهم من تسرح أرواحهم في الجنة ومنهم من يكون على هذا النهر بباب الجنة وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر فيجتمعون هنالك ويغدى عليهم برزقهم هناك ويراح والله أعلم - وقد روينا في مسند الإمام أحمد حديثا فيه البشارة لكل مؤمن بأن روحه تكون في الجنة تسرح أيضا فيها وتأكل من ثمارها وترى ما فيها من النضرة والسرور وتشاهد ما أعد الله لها من الكرامة وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة فإن الإمام أحمد رحمه الله رواه عن محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله عن مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله عن الزهري عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه" قوله "يعلق" أي يأكل وفي هذا الحديث "إن روح المؤمن تكون على شكل طائر في الجنة" وأما أرواح الشهداء فكما تقدم في حواصل طير خضر فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها فنسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان.
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
قوله تعالى "فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون" إلى آخر الآية أي الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله أحياء عند ربهم وهم فرحون بما هم فيه من النعمة والغبطة ومستبشرون بإخوانهم الذين يقتلون بعدهم في سبيل الله أنهم يقدمون عليهم وأنهم لا يخافون مما أمامهم ولا يحزنون على ما تركوه وراءهم نسأل الله الجنة وقال محمد بن إسحق "ويستبشرون" أي ويسرون بلحوق من لحقهم من إخوانهم على ما مضوا عليه من جهادهم ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم قال السدي يؤتى الشهيد بكتاب فيه يقدم عليك فلان يوم كذا وكذا ويقدم عليك فلان يوم كذا وكذا فيسر بذلك كما يسر أهل الدنيا بغائبهم إذا قدم قال سعيد بن جبير: لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة للشهداء قالوا: يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة فإذا شهدوا القتال باشروها بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصبنا من الخير فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرهم وما هم فيه من الكرامة وأخبرهم أي ربهم أني قد أنزلت على نبيكم وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه فاستبشروا بذلك فذلك قوله "ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم" الآية وقد ثبت في الصحيحين عن أنس في قصة أصحاب بئر معونة السبعين من الأنصار الذين قتلوا في غداة واحدة وقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على الذين قتلوهم ويلعنهم قال أنس: ونزل فيهم قرآن قرأناه حتى رفع "أن بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا".
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ
قال تعالى "يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين" قال محمد بن إسحق: استبشروا أي سروا لما عاينوا من وفاء الموعود وجزيل الثواب. وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: هذه الآيات جمعت المؤمنين كلهم سواء الشهداء وغيرهم وقلما ذكر الله فضلا ذكر به الأنبياء وثوابا أعطاهم الله إياه إلا ذكر الله ما أعطى المؤمنين من بعدهم.
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ
قوله تعالى "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح". هذا كان يوم حمراء الأسد وذلك أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين كروا راجعين إلى بلادهم فلما استمروا في سيرهم ندموا لم لاتمموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب المسلمين إلى الذهاب وراءهم ليرعبهم ويريهم أن بهم قوة وجلدا ولم يأذن لأحد سوى من حضر الوقعة يوم أحد سوى جابر بن عبدالله رضي الله عنه لما سنذكره فانتدب المسلمون على ما بهم من الجراح والإثخان طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيد حدثنا سفيان بن عينة عن عمرو عن عكرمة قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا: لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم: بئس ما صنعتم ارجعوا فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد - أو بئر أبي عيينة - الشك من سفيان - فقال المشركون: نرجع من قابل فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تعد غزوة فأنزل الله تعالى "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم". وروى ابن مردويه من حديث محمد بن منصور عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس فذكره- وقال محمد بن إسحق: كان يوم أحد يوم السبت النصف من شوال فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو وأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام فقال يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال: يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي فتخلف على أخواتك فتخلفت عليهن فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم. قال محمد بن إسحق: فحدثني عبدالله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبدالأشهل كان قد شهد أحدا قال: شهدنا أحدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخى فرجعنا جريحين فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو وفلت لأخي -أو قال لي -: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أيسر جراحا منه فكان إذا غلب حملته عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون. وقال البخاري: حدثنا محمد بن سلام حدثنا أبو معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها "الذين استجابوا لله والرسول" الآية. قلت لعروة: يا ابن أختي كان أبوك منهم الزبير وأبو بكر رضي الله عنهما لما أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ما أصابه يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال "من يرجع في أثرهم" فانتدب منهم سبعون رجلا فيهم أبو بكر والزبير هكذا رواه البخاري منفردا به بهذا السياق وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن الأصم عن أبي العباس الدوري عن أبي النضر عن أبى سعيد المؤدب عن هشام بن عروة به: ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه كذا قال: ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار وهدبة بن عبدالوهاب عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة به وهكذا رواه سعيد بن منصور وأبو بكر الحميدي في مسنده عن سفيان به وقد رواه الحاكم أيضا من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن التيمي عن عروة وقال: قالت لي عائشة إن أباك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه- وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا عبدالله بن جعفر من أصل كتابه أنبأنا سمويه أنبانا عبدالله بن الزبير أنبأنا سفيان أنبأنا هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنهما قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن كان أبواك لمن الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح أبو بكر والزبير" ورفع هذا الحديث خطأ محض من جهة إسناده لمخالفته رواية الثقات من وقفه على عائشة رضي الله عنها كما قدمناه ومن جهة معناه فإن الزبير ليس هو من آباء عائشة وإنما قالت ذلك عائشة لعروة بن الزبير لأنه ابن أختها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم - وقال ابن جرير: حدثني محمد بن سعد حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال: إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعدما كان منه ما كان فرجع إلى مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا وقد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب" وكانت وقعة أحد في شوال وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة وإنهم قدموا بعد وقعة أحد وكان أصاب المؤمنين القرح واشتكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم واشتد عليهم الذي أصابهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس لينطلقوا معه ويتبعوا ما كانوا متبعين وقال " إنما يرتحلون الآن فيأتون الحج ولا يقدرون على مثلها حتى عام مقبل" فجاء الشيطان يخوف أولياءه فقال: إن الناس قد جمعوا لكم فأبى عليه الناس أن يتبعوه وقال "إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد لأحضض الناس" فانتدب معه الصديق وعمر وعثمان وعلي والزبير وسعد وطلحة وعبدالرحمن بن عوف وعبدالله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبو عبيدة بن الجراح في سبعين رجلا فساروا في طلب أبي سفيان فطلبوه حتى بلغوا الصفراء فأنزل الله تعالى "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح" الآية. ثم قال ابن إسحق فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة وقد مر به كما حدثني عبدالله بن أبي بكر معبد بن أبي معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها ومعبد يومئذ كان مشركا فقال: يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن الله عافاك فيهم ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا أصبنا محمدا وأصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم؟ لنكرن على بقيتهم ثم لنفرغن منهم فلما رأى أبو سفيان معبدا قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد وأصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا فهم من الحنق عليكم بشيء لم أر مثله قط قال: ويلك ما تقوله؟ قال والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل قال فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فإني أنهاك عن ذلك ووالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتا من شعر قال وما قلت؟ قال قلت: كادت تهد من الأصوات راحلتـي إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل تردى بأسد كرام لا تنابـــلة عند اللقاء ولا ميل معازيــــل فظلت أعدو أظن الأرض مائلـــة لما سموا برئيس غير مخــــذول فقلت ويل ابن حرب من لقائكــم إذا تغطمت البطحاء بالخيــــل إني نذير لأهل السيل ضاحيـــة لكل ذي إربة منهم ومعقــــــول من جيش أحمد لا وخش تنابلـــة وليس يوصف ما أنذرت بالقيــــل قال فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه ومر به ركب من عبدالقيس فقال أين تريدون؟ قالوا نريد المدينة قال ولم؟ قالوا نريد الميرة؟ قال فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه وأحمل لكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتمونا؟ قالوا نعم قال فإذا وافيتموه فأخبروه أنه قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان وأصحابه فقالوا "حسبنا الله ونعم الوكيل" وذكر ابن هشام عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه رجوعهم والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو أصبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب" وقال الحسن البصري في قوله "الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح" إن أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا ورجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب فمن ينتدب فى طلبه فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعوهم فبلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه فلقي عيرا من التجار فقال ردوا محمدا ولكم من الجعل كذا وكذا وأخبروهم أني قد جمعت جموعا وأني راجع إليهم فجاء التجار فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم "حسبنا الله ونعم الوكيل "فأنزل الله هذه الآية وهكذا قال عكرمة وقتادة وغير واحد إن هذا السياق نزل في شأن غزوة حمراء الأسد وقيل نزلت في بدر الموعد والصحيح الأول.
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
"قوله تعالى "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا" الآية أي الذين توعدهم الناس بالجموع وخوفوهم بكثرة الأعداء فما اكترثوا لذلك بل توكلوا على الله واستعانوا به "وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل" وقال البخاري حدثنا أحمد بن يونس قال أراه قال حدثنا أبو بكر عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس "حسبنا الله ونعم الوكيل" قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. وقد رواه النسائي عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم وهارون بن عبدالله كلاهما عن يحيى بن أبي بكر عن أبي بكر وهو ابن عياش به والعجب أن الحاكم أبا عبدالله رواه من حديث أحمد بن يونس به ثم قال صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه ثم رواه البخاري عن أبي غسان مالك بن إسماعيل عن إسرائيل عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس قال كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار "حسبنا الله ونعم الوكيل" وقال عبدالرزاق قال ابن عيينة وأخبرني زكريا عن الشعبي عن عبدالله بن عمرو وقال هي كلمة إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار. رواه ابن جرير وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا محمد بن معمر حدثنا إبراهيم بن موسى الثوري حدثنا عبدالرحيم بن محمد بن زياد السكري أنبأنا أبو بكر بن عياش عن حميد الطويل عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم أحد إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فأنزل الله هذه الآية وروى أيضا بسنده عن محمد بن عبدالله الرافعي عن أبيه عن جده أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه عليا في نفر معه في طلب أبي سفيان فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال إن القوم قد جمعوا لكم فقالوا "حسبنا الله ونعم الوكيل" فنزلت فيهم هذه الآية ثم قال ابن مردويه حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا الحسن بن سفيان أنبأنا أبو خيثمة بن مصعب بن سعد أنبأنا موسى بن أعين عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا وقعتم فى الأمر العظيم فقولوا "حسبنا الله ونعم الوكيل" هذا حديث غريب من هذا الوجه وقد قال الإمام أحمد حدثنا حيوة بن شريح وإبراهيم بن أبي العباس قالا حدثنا بقية حدثنا يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن سيف عن عوف بن مالك أنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ردوا على الرجل فقال: ما قلت؟" قال: قلت حسبي الله ونعم الوكيل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل" وكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث بقية عن يحيى بن خالد عن سيف وهو الشامي ولم ينسب عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. وقال الإمام أحمد حدثنا أسباط حدثنا مطرف عن عطية عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يستمع متى يؤمر فينفخ" فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نقول؟ قال "قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا". وقد روي هذا من غير وجه وهو حديث جيد وقد روينا عن أم المؤمنين زينب وعاثشة رضي الله عنهما أنهما تفاخرتا فقالت زينب زوجني الله وزوجكن أهاليكن وقالت عائشة نزلت براءتي من السماء في القرآن فسلمت لها زينب ثم قالت كيف قلت حين ركبت راحلة صفوان بن المعطل قالت: قلت حسبي الله ونعم الوكيل قالت زينب قلت كلمة المؤمنين.