Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة آل عمران 101 - 108]





(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۗ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ)
[سورة آل عمران 101 - 108]
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
قال تعالى وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله يعني أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلا ونهارا وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم وهذا كقوله تعالى وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين الآية بعدها. وكما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه يوما " أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا "؟ قالوا: الملائكة قال " وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم " قالوا: فنحن قال " وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ " قالوا: فأي الناس أعجب إيمانا؟ قال " قوم يجيئون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها " وقد ذكرت سند هذا الحديث والكلام عليه في أول شرح البخاري ولله الحمد. ثم قال تعالى "ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم" أي ومع هذا فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة في الهداية والعدة في مباعدة الغواية والوسيلة إلى الرشاد وطريق السداد وحصول المراد.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن سنان حدثنا عبدالرحمن بن سفيان وشعبة عن زبيد اليامي عن مرة عن عبدالله هو ابن مسعود "اتقوا الله حق تقاته" قال:أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر وهذا إسناد صحيح موقوف وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود وقد رواه ابن مردويه من حديث يونس بن عبدالأعلى عن ابن وهب عن سفيان الثوري عن زبيد عن مرة عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله حق تقاته" أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى " وكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث مسعر عن زبيد عن مرة عن ابن مسعود مرفوعا فذكره ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه كذا قال. والأظهر أنه موقوف والله أعلم. وثم قال ابن أبي حاتم: وروى نحوه عن مرة الهمداني والربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي وطاووس والحسن وقتادة وأبي سنان والسدي نحو ذلك. وروي عن أنس أنه قال: لا يتقي الله العبد حق تقاته حتى يخزن لسانه. وقد ذهب سعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان وزيد بن أسلم والسدي وغيرهم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى "فاتقوا الله ما استطعتم" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى "اتقوا الله حق تقاته" قال: لم تنسخ ولكن "حق تقاته" أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وقوله تعالى "ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه فعياذا بالله من خلاف ذلك. وقال الإمام أحمد: حدثنا روح حدثنا شعبة قال: سمعت سليمان عن مجاهد: إن الناس كانوا يطوفون بالبيت وإن ابن عباس جالس معه محجن فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" ولو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن ليس له طعام إلا من الزقوم" وكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من طريق عن شعبة به وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال الحاكم: على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبدالرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه". وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موت بثلاث "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل" ورواه مسلم من طريق الأعمش به وقال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا يونس عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله قال أنا عند ظن عبدي بي فإن ظن بي خيرا فله فإن ظن بي شرا فله" وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين من وجه آخر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله أنا عند ظن عبدي بي". وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبدالملك القرشي حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت وأحسبه عن أنس قال: كان رجل من الأنصار مريضا فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فوافقه في السوق فسلم عليه فقال له "كيف أنت يا فلان؟" قال: بخير يا رسول الله أرجو الله وأخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف" ثم قال: لا نعلم رواه عن ثابت غير جعفر بن سليمان. وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديثه ثم قال الترمذي غريب وكذا رواه بعضهم عن ثابت مرسلا. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أخر إلا قائما ورواه النسائي في سننه عن إسماعيل بن مسعود عن خالد بن الحارث عن شعبة به وترجم عليه فقال: " باب كيف يخر للسجود" ثم ساقه مثله فقيل معناه أن لا أموت إلا مسلما وقيل: معناه أن لا أقتل إلا مقبلا غير مدبر وهو يرجع إلى الأول.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" قيل " بحبل الله" أي بعهد الله كما قال في الآية بعدها "ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس" أي بعهد وذمة وقيل "بحبل من الله" يعني القرآن كما في حديث الحارث الأعور عن علي مرفوعا في صفة القرآن "هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم". وقد ورد في ذلك حديث خاص بهذا المعنى فقال الإمام الحافظ أبو جعفر الطبري: حدثنا سعيد بن يحيى الأموي حدثنا أسباط بن محمد عن عبدالملك بن سليمان العزرمي عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض". وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص عن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه" وروى من حديث حذيفة وزيد بن أرقم نحو ذلك وقال وكيع حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال: قال عبدالله: إن هذا الصراط محتضر يحضره الشياطين: يا أبا عبدالله هذا الطريق هلم إلى الطريق فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن. وقوله "ولا تفرقوا" أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة. وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والإئتلاف كما في صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويسخط لكم ثلاثا: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضا. وخيف عليهم الافتراق والاختلاف فقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية إلى الجنة ومسلمة من عذاب النار وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقوله تعالى "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" إلى آخر الآية وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلي وعدواة شديدة وضغائن وإحن وذحول طال بسببها قتالهم والوقائع بينهـم فلما جاء الله بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم صاروا إخوانا متحابين بجلال الله متواصلين في ذات الله متعاونين على البر والتقوى قال الله تعالى "هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم" إلى آخر الآية وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فأنقذهم الله منها أن هداهم للإيمان. وقد امتن عليهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قسم غنائم حنين فعتب من عتب منهم بما فضل عليهم في القسمة بما أراه الله فخطبهم فقال " يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهد اكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي؟ " فكلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ. وقد ذكر محمد بن إسحق بن يسار وغيره:أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج. وذلك أن رجلا من اليهود مر بملإ من الأوس والخزرج فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب ففعل فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض وتثاوروا ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم وتواعدوا إلى الحرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ "وتلا عليهم هذه الآية فندموا على ما كان منهم فاصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم وذكر عكرمة أن ذلك نزل فيهم حين تثاوروا في قضية الإفك والله أعلم.
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
يقول تعالى: ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأولئك هم المفلحون قال الضحاك: هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة يعني المجاهدين والعلماء وقال أبو جعفر الباقر: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير" ثم قال "الخير اتباع القرآن وسنتي" رواه ابن مردويه والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وفي رواية "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان الهاشمي أنبأنا إسماعيل بن جعفر أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن عبدالله بن عبدالرحمن الأشهلي عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم " ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن أبي عمرو به وقال الترمذي: حسن والأحاديث في هذا الباب كثيرة مع الآيات الكريمة كما سيأتي تفسيرها في أماكنها.
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
قال تعالى "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات" الآية ينهى تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضية في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليهم. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني أزهر بن عبدالله الهروي عن أبي عامر عبدالله بن يحيى قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة الظهر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة - وهي الجماعة - وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله" والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به وهكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى كلاهما عن أبي المغيرة واسمه عبدالقدوس بن الحجاج الشامي به وقد ورد هذا الحديث من طرق.
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
وقوله تعالى "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة قاله ابن عباس رضي الله عنهما "فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم" قال الحسن البصري: وهم المنافقون "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" وهذا الوصف يعم كل كافر.
وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
يعني الجنة ماكثون فيها أبدا لا يبغون عنها حولا وقد قال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية: حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن الربيع بن صبيح وحماد بن سلمة عن أبي غالب قال: رأى أبو أمامة رءوسا منصوبة على درج مسجد دمشق فقال أبو أمامة: كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه ثم قرأ "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" إلى آخر الآية قلت: لأبي أمامة أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا ـ حتى عد سبعا - ما حدثتكموه ثم قال هذا حديث حسن وقد رواه ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن أبي غالب وأخرجه أحمد في مسنده عن عبدالرزاق عن معمر عن أبي غالب بنحوه. وقد روى ابن مردويه عند تفسير هذه الآية عن أبي ذر حديثا مطولا غريبا عجيبا جدا ثم قال تعالى "تلك آيات الله نتلوها عليك".
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۗ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ
قال تعالى "تلك آيات الله نتلوها عليك" أي هذه آيات الله وحججه وبيناته نتلوها عليك يا محمد "بالحق" أي نكشف ما الأمر عليه في الدنيا والآخرة "وما الله يريد ظلما للعالمين" أي ليس بظالم لهم بل هو الحاكم العدل الذي لا يجور لأنه القادر على كل شيء العالم بكل شيء فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحدا من خلقه.