Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة النساء 52 - 59]



(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا * إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
[سورة النساء 52 - 59]


أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا
يقول تعالى أم لهم نصيب من الملك وهذا استفهام إنكارى أي ليس لهم نصيب من الملك ثم وصفهم بالبخل فقال: فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أي لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك والتصرف لما أعطوا أحدا من الناس ولا سيما محمدا صلى الله عليه وسلم شيئا ولا ما يملأ النقير وهو النقطة التي في النواة في قول ابن عباس والأكثرين. وهذه الآية كقوله تعالى "قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق" أي خوف أن يذهب ما بأيدكم مع أنه لا يتصور نفاده وإنما هو من بخلكم وشحكم ولهذا قال تعالى "وكان الإنسان قتورا" أي بخيلا.
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا
ثم قال أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله يعني بذلك حسدهم النبي صلى الله عليه وسلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل. وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي حدثنا يحيى الحماني حدثنا قيس بن الربيع عن السدي عن عطاء عن ابن عباس في قوله"أم يحسدون الناس" الآية قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس قال الله تعالى فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما أي فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل الذين هم من ذرية إبراهيم النبوة وأنزلنا عليهم الكتب وحكموا فيهم بالسنن وهي الحكمة وجعلنا منهم الملوك ومع هذا فمنهم من آمن به أي بهذا الإيتاء وهذا الإنعام ومنهم من صد عنه أي كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه وهو منهم ومن جنسهم أي من بني إسرائيل فقد اختلفوا عليهم فكيف بك يا محمد ولست من بنى إسرائيل؟.
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا
وقال مجاهد: فمنهم من آمن به أي بمحمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من صد عنه فالكفرة منهم أشد تكذيبا لك وأبعد عما جئتهم به من الهدى والحق المبين ولهذا قال متوعدا لهم "وكفى بجهنم سعيرا" أي وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا
يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله فقال "إن الذين كفروا بآياتنا" الآية أي ندخلهم فيها دخولا يحيط بجميع أجرامهم وأجزائهم. ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم فقال كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب قال الأعمش عن ابن عمر: إذا "احترقت جلودهم بدلوا جلودا غيرها بيضاء أمثال القراطيس" رواه ابن أبي حاتم وقال يحيى بن يزيد الحضرمي أنه بلغه في الآية قال: يجعل للكافر مائة جلد بين كل جلدين لون من العذاب رواه ابن أبي حاتم وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن هشام عن الحسن قوله "كلما نضجت جلودهم " الآية قال: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة. قال حسين: وزاد فيه فضيل عن هشام عن الحسن كلما نضجت جلودهم قيل لهم: عودوا فعادوا. وقال أيضا ذكر عن هشام بن عمار حدثنا سعيد بن يحيى "يعنى السعداني" حدثنا نافع مولى يوسف السلمي البصري عن نافع عن ابن عمر قال: قرأ رجل عند عمر هذه الآية "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها" فقال عمر: أعدها علي فأعادها فقال معاذ بن جبل: عندي تفسيرها تبدل في ساعة مائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رواه ابن مردوية عن محمد بن أحمد بن إبراهيم عن عبدان بن محمد المروزي عن هشام بن عمار به ورواه من وجه آخر بلفظ آخر فقال: حدثنا محمد بن إسحاق عن عمران حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا نافع أبو هرمز حدثنا نافع عن ابن عمر قال: تلا رجل عند عمر هذه الآية "كلما نضجت جلودهم" الآية قال فقال عمر: أعدها علي وثم كعب فقال: يا أمير المؤمنين أنا عندي تفسير هذه الآية قرأتها قبل الإسلام قال فقال: هاتها يا كعب فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقناك وإلا لم ننظر إليها فقال: إنى قرأتها قبل الإسلام كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة. فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الربيع بن أنس: مكتوب في الكتاب الأول أن جلد أحدهم أربعون ذراعا وسنه سبعون ذراعا وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلودا غيرها. وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا فقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا أبو يحيى الطويل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يعظم أهل النار في النار حتى أن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام وإن غلظ جلده سبعون ذراعا وإن ضرسه مثل أحد" تفرد به أحمد من هذا الوجه وقيل المراد بقوله "كلما نضجت جلودهم" أي سرابيلهم. حكاه ابن جرير وهو ضعيف لأنه خلاف الظاهر.
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا
وقوله "والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا" هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها ومحالها وأرجائها حيث شاءوا وأين أرادوا وهم خالدون فيها أبدا لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولا وقوله"لهم فيها أزواج مطهرة" أي من الحيض والنفاس والأذى والأخلاق الرذيلة والصفات الناقصة كما قال ابن عباس: مطهرة من الأقذار والأذى. وكذا قال عطاء والحسن والضحاك والنخعي وأبو صالح وعطية والسدي. وقال مجاهد: مطهرة من البول والحيض والنخام والبزاق والمنى والولد. وقال قتادة: مطهرة من الأذى والمآثم ولا حيض ولا كلف. وقوله "وندخلهم ظلا ظليا" أي ظلا عميقا كثيرا غزيرا طيبا أنيقا قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا عبدالرحمن وحدثنا ابن المثنى حدثنا ابن جعفر قالا حدثنا شعبة قال: سمعت أبا الضحاك يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها - شجرة الخلد".
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا
يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها. وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك" رواه الإمام أحمد وأهل السنن وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عز وجل على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به من غير اطلاع بينة على ذلك فأمر الله عز وجل بأدائها فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا وكيع عن سفيان عن عبدالله بن السائب عن زاذان عن عبدالله بن مسعود قال: إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة يؤتي بالرجل يوم القيامة وإن كان قد قتل في سبيل الله فيقال أد أمانتك فيقول فأني أؤديها وقد ذهبت الدنيا؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم فيهوي إليها فيحملها على عاتقه قال فتنزل عن عاتقه فيهوي على أثرها أبد الآبدين. قال زاذان فأتبت البراء فحدثته فقال صدق أخى "إن الله يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها" وقال سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن رجل عن ابن عباس في الآية قال: هي مبهمة للبر والفاجر وقال محمد بن الحنفية هي عامة للبر والفاجر وقال أبو العالية: الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال أبي بن كعب من الأمانات أن المرأة ائتمنت على فرجها وقال الربيع بن أنس هي من الأمانات فيما بينك وبين الناس. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" قال: قال يدخل فيه وعظ السلطان النساء "يعنى يوم العيد" وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة واسم أبي طلحة عبدالله بن عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري حاجب الكعبة المعظمة وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكه هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأما عمه عثمان بن طلحة بن أبي طلحة فكان معه لواء المشركين يوم أحد وقتل يومئذ كافرا وإنما نبهنا على هذا النسب لأن كثيرا من المفسرين قد يشتبه عليه هذا بهذا وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه. وقال محمد بن إسحاق في غزوة الفتح حدثني محمد بن جعفر بن الزبير بن عبيدالله بن عبدالله أبي ثور عن صفية بنت شيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس خرج حتى جاء إلى البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حماما من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة وقد استكن له الناس في المسجد. قال ابن اسحق: فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فقال "لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانه البيت وسقاية الحاج". وذكر بقية الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ إلى أن قال: ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أين عثمان بن طلحة؟ "فدعي له فقال له "هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم وفاء وبر "قال ابن جرير: حدثني القاسم حدثنا الحسين عن حجاج عن ابن جريج في الآية قال: نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة فدخل في البيت يوم الفتح فخرج وهو يتلو هذه الآية "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" صلى الله عليه وسلم الآية فدعا عثمان إليه فدفع إليه المفتاح. قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة وهو يتلو هذه الآية "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" فداه أبي وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك. حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا الزنجي ابن خالد عن الزهري قال: دفعه إليه وقال: أعينوه. وروى ابن مردوية من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" قال: لما فتح رسول الله صلى مكة دعا عثمان بن طلحة فلما أتاه قال "أرني المفتاح" فأتاه به فلما بسط يده إليه قام إليه العباس قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجمعه لي مع السقاية فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرني المفتاح يا عثمان" فبسط يده يعطيه فقال العباس مثل كلمته الأولى فكف عثمان يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاته" فقال هاك أمانة الله قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح باب الكعبة فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم عليه الصلاة السلام معه القداح" يستقسم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما للمشركين قاتلهم الله وما شأن إبراهيم وشأن القداح "ثم دعا بحفنة فيها ماء فأخذ ماء فغمسه فيه ثم غمس به تلك التماثيل وأخرج مقام إبراهيم وكان في الكعبة فألزقه في حائط الكعبة ثم قال "يا أيها الناس هذه القبلة" قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت شوطا أو شوطين ثم نزل عليه جبريل فيما ذكر لنا برد المفتاح ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" حتى فرغ من الآية وهذا من المشهورات أن هذه الآية نزلت في دلك وسواء كانت نزلت في ذلك أو لا فحكمها عام ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية: هي للبر الفاجر أي هي أمر لكل أحد. وقوله "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب إن هذه الآية إنما نزلت في الأمراء يعني الحكام بين الناس وفي الحديث "إن الله مع الحاكم ما لم يجر فإذا جار وكله إلى نفسه" وفي الأثر "عدل يوم كعبادة أربعين سنة" وقوله "إن الله نعم ا يعظكم به" أي يأمركم به من أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس بغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة وقوله تعالى "إن الله كان سميعا بصيرا أي سميعا" لأقوالكم بصيرا بأفعالكم. كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبدالله بن بكير حدثنا عبدالله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية "سميعا بصيرا" يقول بكل شيء بصير وفد قال أبن أبي حاتم حدثنا يحيى القزويني أنبأنا المقري يعني أبا عبدالرحمن عبدالله بن يزيد حدثنا حرملة يعني ابن عمران التجبيبي المصري حدثني أبو يونس سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها إلى قوله إن الله نعما يعظكم به إن "الله كان سميعا بصيرا" ويضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه ويقول: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويضع أصبعيه وقال أبو زكريا وصفه لنا المقري ووضع أبو زكريا إبهامه اليمنى على عينه اليمنى والتي تليها على الأذن اليمنى وأرانا فقال هكذا وهكذا. رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن مردوية في تفسيره من حديث أبي عبدالرحمن المقري بإسناده نحوه وأبو يونس هذا مولى أبى هريرة واسمه سليم بن جبير.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل حدثنا حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" قال: نزلت في عبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من حديث حجاج بن محمد الأعور به وقال الترمذي حديث حسن غريب ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبى عبدالرحمن السلمي عن علي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار فلما خرجوا وجد عليهم في شيء قال: فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا بلى. قال: فاجمعوا لي حطبا. ثم دعا بنار فأضرمها فيها ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها قال: فقال لهم شاب منهم إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها قال فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم "لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف" أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش به. وقال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيدالله حدثنا نافع عن عبدالله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" وأخرجاه من حديث يحيى القطان. وعن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان" أخرجاه. وفي الحديث الآخر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة" رواه البخاري وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدوع الأطراف. رواه مسلم وعن أم الحصين أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول "ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا" رواه مسلم وفي لفظ له "عبدا حبشيا مجدوعا" وقال ابن جرير: حدثني علي بن مسلم الطوسي حدثنا ابن أبي فديك حدثني عبدالله بن محمد بن عروة عن هشام بن عروة عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "سيليكم ولاة بعدي فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساءوا فلكم وعليهم" وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: "أوفوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم" أخرجاه. وعن أبن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية" أخرجاه. وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من خلع يدا من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" رواه مسلم. وروى مسلم أيضا عن عبدالرحمن بن عبدرب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبدالله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن هذه الأمة جعلت عافيتهـا في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور ينكرونها وتجيء فتن يرفق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر قال فدنوت منه فقلت: أنشدك بالله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي; فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل بعضا بعضا والله تعالى يقول "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" قال: فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصية الله. والأحاديث في هذا كثيرة. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن الحسين حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا أسباط عن السدي في قوله "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" قال: بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سرية عليها خالد بن الوليد وفيها عمار بن ياسر فساروا قبل القوم الذين يريدون فلما بلغوا قريبا منهم عرسوا وأتاهم ذو العينتين فأخبرهم فأصبحوا وقد هربوا غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد فسأل عن عمار بن ياسر فأتاه فقال: يا أبا اليقظان إنى قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله لأن قومي لما سمعوا بكم هربوا وإنى بقيت فهل إسلامي نافعي غدا إلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك فأقم فأقام. فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدا غير الرجل فأخذه وأخذ ماله فبلغ عمارا الخبر فأتى خالدا فقال: خل عن الرجل فإنه قد أسلم وإنه في أمان مني فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز أمان عمار ونهاه أن يجير الثانية على أمير فاستبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خالد يا رسول الله أتترك هذا العبد الأجدع يسبني فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "يا خالد لا تسب عمارا فإنه من سب عمارا يسبه الله; ومن يبغض عمارا يبغضه الله"; ومن يلعن عمارا لعنه الله" فغضب عمار فقام فتبعه خالد فأخذ بثوبه فاعتذر إليه فرضي عنه فأنزل الله عز وجل قوله "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق عن السدي مرسلا ورواه ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي صالح عن ابن عباس فذكره بنحوه والله أعلم. وقال على بن أبي طلحة عن ابن عباس "وأولي الأمر منكم" يعني أهل الفقه والدين وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية "وأولي الأمر منكم" يعني العلماء والظاهر والله أعلم أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء كما تقدم. وقال تعالى "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت " وقال تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" وفي الحديث الصحيح المتفق على صحته عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله ومن أطاع أمري فقد أطاعني ومن عصا أميري فقد عصاني" فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء ولهذا قال تعالى "أطيعوا الله" أي اتبعوا كتابه وأطيعوا الرسول أي خذوا بسنته وأولي الأمر منكم أي فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله كما تقدم في الحديث الصحيح "إنما الطاعة في المعروف "وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرحمن حدثنا همام حدثنا قتادة عن ابن حريث عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا طاعة في معصية الله". وقوله "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" قال مجاهد وغير واحد من السلف أي إلى كتاب الله وسنة رسوله. وهذا أمر من الله عز وجل "بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال ولهذا قال تعالى "إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر وقوله "ذلك خير أي التحاكم إلى كتاب الله" وسنة رسوله والرجوع إليهما في فصل النزاع خير وأحسن تأويلا أي وأحسن عاقبة ومآلا كما قاله السدي وغير واحد. وقال مجاهد: وأحسن جزاء وهو قريب.