Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة النساء 163 - 170]


(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا * رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * لَٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ ۚ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)
[سورة النساء 163 - 170]
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا
قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال سكن وعدي بن زيد يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى فأنزل الله في ذلك من قولهما " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى آخر الآيات وقال ابن جرير حدثنا الحارث حدثنا عبدالعزيز حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال أنزل الله " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " إلى قوله " وقولهم على مريم بهتانا عظيما " قال فلما تلاها عليهم يعني على اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة جحدوا كل ما أنزل الله وقالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء ولا موسى ولا عيسى ولا على نبي من شيء قال فحل حبوته فقال ولا على أحد فأنزل الله عز وجل "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء" وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر فإن هذه الآية التي في سورة الأنعام مكية وهذه الآية التي في سورة النساء مدنية وهي رد عليهم لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء قال الله تعالى "فقد سألوا موسى أكبر من ذلك" ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم وما كانوا عليه وما هم عليه الآن من الكذب والافتراء ثم ذكر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المقدمين فقال "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده" إلى قوله "وآتينا داود زبورا" والزبور اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود عليه السلام وسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلاء الأنبياء عليهم من الله أفضل الصلاة والسلام عند قصصهم من سورة الأنبياء إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا
وقوله "ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك" أي من قبل هذه الآية يعني في السور المكية وغيرها وهذه تسمية الأنبياء الذين نص الله على أسمائهم في القرآن وهم آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون ويونس وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا ويحيى وعيسى. وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين وسيدهم محمد صلى الله وعليه وآله وسلم وقوله "ورسلا لم نقصصهم عليك" أي خلقا آخرين لم يذكروا في القرآن وقد اختلف في عدة الأنبياء والمرسلين والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل وذلك فيما رواه ابن مردويه رحمه الله في تفسيره حيث قال حدثنا إبراهيم بن محمد حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن والحسين بن عبدالله بن يزيد قالا حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني حدثني أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال "ما ئه ألف وأربعة وعشرون ألفا " قلت يا رسول الله كم الرسل منهم قال "ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير" قلت يا رسول الله من كان أولهم قال "آدم" قلت يا رسول الله" نبي مرسل" قال" نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم سواه قبلا" ثم قال "يا أبا ذر أربعة سريانيون آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم وأربعة من العرب هود وصالح وسعيد ونبيك يا أبا ذر وأول نبي من بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وأول النبيين آدم وآخرهم فبيك". وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه الأنواع والتقاسيم وقد وسمه بالصحة وخالفه أبو الفرج بن الجوزي فذكر هذا الحديث في كتابه الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام هذا ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث والله أعلم وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن صحابي آخر فقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عوف حدثنا أبو المغيرة حدثنا معان بن رفاعة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قلت يا نبي الله كم الأنبياء ؟ قال "مائه ألف وأربعة وعشرون ألفا من ذلك ثلثمائة وخمسة عشر جما غفيرا " معان بن رفاعة السلامي ضعيف وعلي بن يزيد ضعيف والقاسم أبو عبدالرحمن ضعيف أيضا وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي حدثنا أحمد بن إسحاق أبو عبدالله الجوهري البصري حدثنا علي بن إبراهيم حدثنا موسى بن عبيدة الربذي عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بعث الله ثمانية آلاف في أربعة آلاف إلى بني إسرائيل وأربعة آلاف إلى سائر الناس" وهذا أيضا إسناد ضعيف فيه الربذي ضعيف وشيخه الرقاشي أضعف منه والله أعلم. وقال أبو يعلى حدثنا أبو الربيع حدثنا محمد بن ثابت العبدي حدثنا معبد بن خاله الأنصاري عن يزيد الررقاشي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي ثم كان عيسى ابن مريم ثم كنت أنا" وقد رويناه عن أنس من وجه آخر فأخبرنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي أخبرنا أبو الفضل بن عساكر أنبأنا الإمام أبو بكر بن القاسم بن أبي سعيد الصقار أخبرتنا عمة أبي عائشة بنت أحمد بن منصور بن الصفار أخبرنا الشريف أبو السنابك هبة الله بن أبي الصهباء محمد بن حيدر القرشي حدثنا الإمام الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني قال أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي حدثنا محمد بن غثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن طارق حدثنا مسلم بن خالد حدثنا زياد بن سعد عن محمد بن المنكدر عن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي منهم أربعة آلاف نبي من بني إسرائيل" وهذا غريب من هذا الوجه وإسناده لا بأس به رجاله كلهم معروفون إلا أحمد بن طارق هذا فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح والله أعلم. وحديث أبي ذر الغفاري الطويل في عدد الأنبياء عليهم السلام قال محمد بن الحسين الآجري حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الفريابي إملاء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومائتين حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني حدثنا أبى عن جده عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده فجلست إليه فقلت يا رسول الله إنك أمرتني بالصلاة قال "الصلاة خير موضوع فاستكثر أو استقل" قال: قلت يا رسول الله فأي الأعمال أفضل ؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله" قلت يا رسول الله فأي المؤمنين أفضل ؟ قال "أحسنهم خلقا " قلت يا رسول الله فأي المسلمين أسلم ؟ قال: "من سلم الناس من لسانه ويده" قلت يا رسول الله فأي الهجرة أفضل ؟ قال "من هجر السيئات" قلت يا رسول الله أي الصلاة أفضل ؟ قال "طول القنوت فقلت يا رسول الله فأي الصيام أفضل؟ قال: "فرض مجزىء وعند الله أضعاف كثيرة" قلت يا رسول الله فأي الجهاد أفضل قال: "من عقر جواده وأهريق دمه" قلت يا رسول الله فأي الرقاب أفضل؟ قال "أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها" قلت يا رسول الله فأي الصدقة أفضل؟ قال "جهد من مقل وسر إلى فقير" قلت يا رسول الله فأي آية ما أنزل عليك أعظم ؟ قال "آية الكرسي" ثم قال "يا أبا ذر وما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة" قال: قلت يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا " قال: قلت يا رسول الله كم الرسل من ذلك ؟ قال " ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير كثير طيب" قلت فمن كان أولهم؟ قال "آدم" قلت أنبي مرسل؟ قال "نعم خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وسواه قبيلا" ثم قال "يا أبا ذر أربعة سريانيون آدم وشيث وخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بقلم ونوج وأربعة من العرب هود وشعيب وصالح ونبيك يا أبا ذر وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وأول الرسل آدم وآخرهم محمد " قال: قلت يا رسول الله كم كتاب أنزله الله ؟ قال "ما له كتاب وأربعة كتب أنزل الله على شيث خمسين صحيفة وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى من قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان" قال: قلت يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم ؟ قال " كانت كلها يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إنى لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر وكان فيها أمثال وعلى العاقل أن يكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفكر في صنع الله وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلات: تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه" قال: قلت يا رسول الله فما كانت صحف موسى ؟ قال " كانت عبرا كلها عجيت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هولا يعمل" قال: قلت يا رسول الله فهل في أيدينا شيء مما كان في أيدي إبراهيم وموسى وما أنزل الله عليك ؟ قال نعم اقرأ يا أبا ذر "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل توثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى" "قال: قلت يا رسول الله فأوصني قال "أوصيك بتقوى الله فإنه رأس أمرك" قال: قلت يا رسول الله زدني قال "عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض" قال: قلت يا رسول الله زدني قال "إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه" قلت يا رسول الله زدني قال " عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي " قلت زدني قال " عليك بالصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك" قلت زدني قال "انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإنه أجدر لك أن لا تزدري نعمة الله عليك" قلت زدني قال "أحبب المساكين وجالسهم فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك " قلت زدني قال " صل قرابتك وإن قطعوك" قلت زدني قال "قل الحق وإن كان مرا" قلت زدني قال "لا تخف في الله لومة لائم" قلت زدني قال" يردك عن الناس ما تعرف من نفسك ولا تجد عليهم فيما تحب وكفى بك عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أوتجد عايهم فيما تحب " ثم ضرب بيده صدري فقال يا أبا ذر "لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق". وروى الإمام أحمد عن أبي المغيرة عن معان بن رقاعة عن على بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أمر الصلاة والصيام والصدقة وفضل آية الكرسي ولا حول ولا قوة إلا بالله وأفضل الشهداء وأفضل الرقاب ونبوة آدم وأنه مكلم وعدد الأنبياء والمرسلين كنحو ما تقدم. وقال عبدالله بن الإمام أحمد وجدت في كتاب أبي بخطه حدثني عبدالمتعالي بن عبدالوهاب حدثنا يحمى بن سعيد الأموي حدثنا مجالد عن أبي الوداك قال: قال أبو سعيد هل تقول الخوارج بالدجال قال: قلت لا فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنى خاتم ألف نبي أو أكثر وما بعث نبي يتبع إلا وقد حذر أمته منه وإني قد بين لي فيه ما لم يبين وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخامة في حائط مجصص وعينه اليسرى كأنها كوكب دري معه من كل لسان ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيهل الماء وصورة النار سوداء تدخن " وقد رويناه في الجزء الذي فيه رواية أبي يعلى الموصلي عن يحى بن معين حدثنا مروان بن معاوية حدثنا مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنى أختم ألف ألف نبي أو أكثر ما بعث الله من نبي إلى قومه إلا حذرهم الدجال" وذكر تمام الحديث هذا لفظه بزيادة ألف وقد تكون مقحمة والله أعلم. وسياق رواية الإمام أحمد أثبت وأولى بالصحة ورجال إسناد هذا الحديث لا بأس بهم وقد روى هذا الحديث من طريق جابر: بن عبد الله "1 قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا مجالد عن الشعبي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لخاتم ألف نبي أو أكثر وإنه ليس منهم نبي إلا وقد أنذر قومه الدجال وإني قد بين لي ما لم يبين لأحد منهم وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور" قوله "وكلم الله موسى تكليما" وهذا تشريف لموسى عليه السلام بهذه الصفة ولهذا يقال له الكليم وقد قال الحافظ أبو بكر بن مردويه حدثنا أحمد بن محمد بن سليمان المالكي حدثنا مسيح بن حاتم حدثنا عبد الجبار بن عبد الله قال جاء رجل إلى أبي بكر بن عياش فقال سمعت رجلا يقرأ "وكلم الله موسى تكليما" فقال أبو بكر ما قرأ هذا إلا كافر قرأت على الأعمش وقرأ الأعمش على يحيى بن وثاب وقرأ يحيى بن وثاب على أبي عبد الرحمن السلمي وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي على علي بن أبي طالب وقرأ على بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم "وكلم الله موسى تكليما" وإنما اشتد غضب أبي بكر بن عياش رحمه الله على من قرأ كذلك لأنه حرف لقظ القرآن ومعناه وكان هذا من المعتزلة الذين ينكرون أن يكون الله كلم موسى عليه السلام أو يكلم أحدا من خلقه كما رويناه عن بعض المعتزلة أنه قرأ على بعض المشايخ "وكلم الله موسى تكليما" فقال له يا ابن اللخناء كيف تصنع بقوله تعالى "ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه" يعني أن هذا لا يحتمل التحريف ولا التأويل وقال ابن مردف حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن الحسين بن بهرام حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا هانئ بن يحيى عن الحسن بن أبي جعفر عن قتادة عن يحيى بن وثاب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما كلم الله موسى كان يبصر دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء". وهذا حديث غريب وإسناده لا يصح وإذا صح موقوقا كان جيدا وقد روى الحاكـم في مستدركه وابن مردويه من حديث حميد بن قيس الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان على موسى يوم كلمه ربه جبة صوف وكساء صوف وسراويل صوف ونعلان من جلد حمار غير ذكي" وقال ابن مردويه بإسناده عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: إن الله ناجى موسى بمائة ألف كلمة وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام وصايا كلها فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم مما وقع في مسامعه من كلام الرب عز وجل. وهذا أيضا إسناد ضعيف فإن جويبر أضعف والضحاك لم يدرك ابن عباس " رضي الله عنهما. فأما الأثر الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهما من طريق الفضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنه. قال لما كلم الله موسى يوم الطور كلمه بغير الكلام الذي كلمه يوم ناداه فقال له موسى يا رب هذا كلامك الذي كلمتني به قال: لا يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسنة كلها وأنا أقوى من ذلك فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا يا موسى صف لنا كلام الرحمن قال لا أستطيعه قالوا فشبه لنا قال ألم تسمعوا إلى صوت الصواعق فإنه قريب منه وليس به وهذا إسناد ضعيف فإن الفضل الرقاشي هذا ضعيف بمرة. وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن جزء بن جابر الخيثمي عن كعب قال إن الله لما كلم موسى كلمه بالألسنة كلها سوى كلامه فقال موسى يا رب هذا كلامك قال لا ولو كلمتك بكلامي لم تستقم له قال يا رب فهل من خلقك شيء يشبه كلامك قال لا وأشد خلقي سبها بكلامي أشد ما تسمعون من الصواعق. فهذا موقوف على كعب الأحبار وهو يحكي عن الكتب المتقدمة المشتملة على أخبار بني إسرائيل وفيها الغث والسمين.
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا
وقوله "رسلا مبشرين ومنذرين" أي يبشرون من أطاع الله واتبع رضوانه بالخيرات وينذرون من خالف أمره وكذب رسله بالعقاب والعذاب وقوله "لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما" أي أنه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه لئلا يبقى لمعتذر عذر كما قال تعالى "ولولا أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى" وكذا قوله "ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم" الآية. وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل من أجل ذلك مدح نفسه ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين". وفي لفظ آخر"من أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه".
لَٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا
لما ضمن قوله تعالى "إنا أوحينا إليك" إلى آخر السياق إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم والرد على من أنكر نبوته من المشركين وأهل الكتاب قال تعالى "لكن الله يشهد بما أنزل إليك" أي وإن كفر به من كفر به ممن كذبك وخالفك فالله يسهد لك بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب وهو القرآن العظيم "الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" ولهذا قال "أنزله بعلمه" أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان وما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويأباه وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل. وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة التي لا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا أن يعلمه الله به كما قال تعالى "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء" وقال "ولا يحيطون به علما" وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا الحسن بن سهيل الجعفري وعبد الله بن المبارك قالا حدثنا عمران بن عيينة حدثنا عطاء بن السائب قال أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي القرآن وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال قد أخذت علم الله فليس أحد اليوم أفضل منك إلا بعمل ثم يقرأ قوله "أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا" قوله "والملائكة يشهدون" أي بصدق ما جاءك وأوحى إليك وأنزل عليك مع شهامة الله تعالى لك بذلك "وكفى بالله شهيدا" قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود فقال لهم "إنى لأعلم والله إنكم لتعلمون أنى رسول الله" فقالوا ما نعلم ذلك. فأنزل الله عز وجل "لكن انه يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه" الآية.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا
وقوله أي كفروا في أنفسهما فلم يتبعوا الحق وسعوا في صد الناس عن اتباعه والافتداء به قد خرجوا عن الحق وضلوا عنه وبعدوا منه بعدا عظيما شاسعا ثم أخبر تعالى عن حكمه في الكافرين بآياته وكتابه ورسوله الظالمين لأنفسهم بذلك وبالصد عن سبيله وارتكاب مآثمة وانتهاك محارمه بأنه لا يغفر لهم.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا
"ولا يهديهم طريقا" أي سبيلا إلى الخير.
إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
"إلا طريق جهنم" وهذا استثناء منقطع "خالدين فيها أبدا" الآية.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ ۚ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
ثم قال تعالى "يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم" أي قد جاءكم محمد صلوات الله وسلامه عليه بالهدى ودين الحق والبيان الشافي من الله عز وجل فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه يكن خيرا لكم ثم قال "وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض" أي فهو غني عنكم وعن إيمانكم ولا يتضرر بكفرانكم كما قال تعالى "وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد" وقال ههنا "وكان الله عليما" أي بمن يستحق منكم الهداية فيهديه وبمن يستحق الغواية فيغويه "حكيما" أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.