Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة آل عمران 84 - 91]





(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)
[سورة آل عمران 84 - 91]
قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
قال تعالى "قل آمنا بالله وما أنزل علينا" يعني القرآن "وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب" أي من الصحف والوحي "والأسباط" وهم بطون بني إسرائيل المتشعبة من أولاد إسرائيل - وهو يعقوب الاثنى عشر "وما أوتي موسى وعيسى" يعني بذلك التوراة والإنجيل "والنبيون من ربهم" وهذا يعم جميع الأنبياء جملة "لا نفرق بين أحد منهم" يعني بل نؤمن بجميعهم "ونحن له مسلمون" فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبي أرسل وبكل كتاب أنزل لا يكفرون بشيء من ذلك بل هم يصدقون بما أنزل من عند الله وبكل نبي بعثه الله.
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
ثم قال تعالى "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" الآية. أي من سلك طريقا سوى ما شرعه الله فلن يقبل منه "وهو في الآخرة من الخاسرين" كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عباد بن راشد حدثنا الحسن حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول يا رب أنا الصلاة فيقول إنك على خير وتجيء الصدقة فتقول يا رب أنا الصدقة فيقول إنك على خير ثم يجيء الصيام فيقول يا رب أنا الصيام فيقول إنك على خير ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله إنك على خير ثم يجيء الإسلام فيقول يا رب أنت السلام وأنا الإسلام فيقول الله تعالى إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطي. قال الله في كتابه "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" تفرد به أحمد قال أبو عبدالرحمن عبدالله بن الإمام أحمد: عباد بن راشد ثقة ولكن الحسن لم يسمع من أبي هريرة.
كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبدالله بن بزيع البصري حدثنا يزيد بن زريع حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله هل لي من توبة؟ فنزلت "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم - إلى قوله - فإن الله غفور رحيم" فأرسل إليه قومه فأسلم وهكذا رواه النسائي والحاكم وابن حبان من طريق داود بن أبي هند به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد يخرجاه. وقال عبدالرزاق أنبأنا جعفر بن سليمان حدثنا حميد الأعرج عن مجاهد قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه "كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمانهم- إلى قوله- غفور رحيم". قال: فحملها إليه رجل من قومه فقرأ عليه فقال الحارث: إنك - والله ما علمت - لصدوق وإن رسول الله لأصدق منك وإن الله لأصدق الثلاثة قال: فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه فقوله تعالى "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات" أي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به العماية؟ ولهذا قال تعالى "والله لا يهدي القوم الظالمين".
أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
ثم قال تعالى "أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" أي يلعنهم الله ويلعنهم خلقه.
خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ
"خالدين فيها" أي في اللعنة "لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون" أي لا يفتر عنهم العذاب ولا يخفف عنهم ساعة واحدة.
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ثم قال تعالى "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم" وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه أن من تاب إليه تاب عليه.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ
يقول تعالى متوعدا ومهددا لمن كفر بعد إيمانه ثم ازداد كفرا أي استمر إلى الممات ومخبرا بأنهم لن تقبل لهم توبة عند الممات كما قال تعالى "وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت" الآية ولهذا قال ههنا "لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون" أي الخارجون عن المنهج الحق إلى طريق الغي. قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيع حدثنا يزيد بن زريع حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس: أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم" هكذا رواه وإسناده جيد.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَىٰ بِهِ ۗ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ
ثم قال تعالى "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به" أي من مات على الكفر فلن يقبل منه خير أبدا ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا فيما يراه قربة كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن عبدالله بن جدعان وكان يقري الضيف ويفك العاني ويطعم الطعام هل ينفعه ذلك؟ فقال "لا إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" وكذلك لو افتدى بملء الأرض أيضا ذهبا ما قبل منه كما قال تعالى "ولا يقبل منها عدل ولا ينفعها شفاعة" وقال "لا بيع فيه ولا خلال" وقال "إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم" ولهذا قال تعالى ههنا "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به" فعطف ولو افتدى به على الأول فدل على أنه غيره. وما ذكرناه أحسن من أن يقال إن الواو زائدة والله أعلم ويقتضي ذلك أن لا ينقذه من عذاب الله شيء ولو كان قد أنفق مثل الأرض ذهبا ولو افتدى نفسه من الله بملء الأرض ذهبا بوزن جبالها وتلالها وترابها ورمالها وسهلها ووعرها وبرها وبحرها. وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج حدثني شعبة عن أبي عمران الجوني عن أكنت مفتديا به؟ قال: فيقول نعم فيقول نعم فيقول الله قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم ان لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك". وهكذا أخرجه البخاري ومسلم " طريق أخرى" وقال الإمام أحمد: حدثنا روح حدثنا حماد عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل فيقول: سل وتمن فيقول: ما أسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرار لما يرى من فضل الشهادة ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول له يا ابن آدم كيف وجدت منزلك؟ فيقول: يا رب شر منزل فيقول له أتفتدي مني بطلاع الأرض ذهبا؟ فيقول أي رب نعم فيقول: "كذبت قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل فيرد إلى النار" ولهذا قال "أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين" أي وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب الله ولا يجيرهم من أليم عقابة.