Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة النساء 114 - 121]



(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا * إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا)
[سورة النساء 114 - 121]

لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا

يقول تعالى "لا خير في كثير من نجواهم" يعني كلام الناس "إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس" أي إلا نجوى من قال ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مردويه حدثنا محمد ابن عبدالله بن ابراهيم حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث حدثنا محمد بن زيد بن حنيش قال: دخلنا على سفيان الثوري نعوده فدخل علينا سعيد بن حسان فقال له الثوري الحديث الذي كنت حدثتنيه عن أم صالح ردده علي فقال: حدثتني أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ذكر الله عز وجل أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر " فقال سفيان: أو ما سمعت الله في كتابه يقول "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس" فهو هذا بعينه أو ما سمعت الله يقول "يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا" فهو هذا بعينه أو ما سمعت الله يقول في كتابه"والعصر إن الإنسان لفي خسر" ألخ فهو هذا بعينه وقد روي هذا الحديث الترمذي وابن ماجه من حديث محمد بن يزيد بن حنيش عن سعيد بن حسان به ولم يذكر أقوال الثوري إلى آخرها ثم قال الترمذي حديث غريب لا يعرف إلا من حديث ابن حنيش قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب حدثنا أبي حدثنا صالح بن كيسان حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب أن حميد بن عبدالرحمن بن عوف أخبره أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا " وقالت لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. قال: وكانت أم كلثوم بنت عقبة من المهاجرات اللاتي بايعن رسول الله صلى اله عليه وسلم وقد رواه الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن الزهري به نحوه قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن محمد عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال " إصلاح ذات البين قال: وفساد ذات البين هى الحالقة " ورواه أبو داود والترمذي من حديث أبي معاوية وقال الترمذي حسن صحيح وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبدالرحيم حدثنا شريح بن يونس حدثنا عبدالرحمن بن عبيد الله بن عمر حدثنا أبي عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب" ألا أدلك على تجارة" قال: بلى يا رسول الله قال " تسعى في إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا " ثم قال البزار وعبدالرحمن بن عبدالله العمري لين وقد حدث بأحاديث لم يتابع عليها ولهذا قال "ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله "أي مخلصا إلى ذلك محتسبا ثواب ذلك عندالله عز وجل "فسوف نؤتيه أجرا عظيما" أي ثوابا جزيلا كثيرا واسعا.

وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا

وقوله "ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى" أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له وقوله" ويتبع غير سبيل المؤمنين" هذا ملازم للصفة الأولى ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفا لهم وتعظيما لنبيهم وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب أحاديث الأصول ومن العلماء من ادعى تواتر معناها والذي عول عليه الشافعي رحمه الله في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك ولهذا توعد تعالى على ذلك بقوله "نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا" أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجا له كما قال تعالى"فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" وقال تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم وقوله "ونذرهم في طغيانهم يعمهون" وجعل النار مصيره في الآخرة لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة كما قال تعالى "احشروا الذين ظلموا وأزواجهم" الآية وقال تعالى "ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا".

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا

قد تقدم الكلام على هذه الآية الكريمة وهي قوله "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك" الآية وذكرنا ما يتعلق بها من الأحاديث في صدر هذه السورة وقد روى الترمذي: حدثنا ثوير بن أبي فاختة سعيد بن علافة عن أبيه عن على أنه قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية "إن الله لا يغفر أن يشرك به" الآية ثم قال هذا حسن غريب وقوله ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا أي فقد سلك غير الطريق الحق وضل عن الهدى وبعد عن الصواب وأهلك نفسه وخسرها في الدنيا والآخرة وفاتته سعادة الدنيا والآخرة وقوله "إن يدعون من دونه إلا إناثا" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمود بن غيلان أنبأنا الفضل بن موسى اخبرنا الحسن بن واقد عن الربيع ابن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: مع كل صنم جنية. وحدثنا أبي حدثنا محمد بن سلمة الباهلي عن عبدالعزيز بن محمد عن هشام يعني ابن عروة عن أبيه عن عائشة.

إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا

"إن يدعون من دونه إلا إلا إناثا" قالت: أوثانا. وروى عن أبي سلمة بن عبدالرحمن وعروة بن الزبير ومجاهد وأبي مالك والسدي ومقاتل نحو ذلك وقال ابن جرير عن الضحاك في الآية: قال المشركون للملائكة بنات الله وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى قال فاتخذوهن أربابا وصـوروهن جواري فحكموا وقلدوا وقالوا هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده يعنون الملائكة وهذا التفسير شبيه بقول الله تعالى "أفرأيتم اللات والعزى" الآيات وقال تعالى"وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا" الآية وقال "وجعلوا بينه" وبين الجنة نسبا" الآيتين وقال على بن أبي طلحة والضحاك عن ابن عباس وإن يدعون من دونه إلا إناثا قال: يعني موتى وقال مبارك يعني ابن فضالة عن الحسن "إن يدعون من دونه إلا إناثا" قال الحسن الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح إما خشبة يابسة وإما حجر يابس. ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير وهو غريب وقوله "وإن يدعون إلا شيطانا مريدا" أي هو الذي أمرهم بذلك وحسنه وزينه لهم وهم إنما يعبدون إبليس في نفس الأمر كما قال تعالى "ألم أعهد إليكـم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان" الآية. وقال تعالى "إخبارا عن الملائكة أنهم يقولون يوم القيامة عن المشركين الذين ادعوا عبادتهم في الدنيا بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون".

لَعَنَهُ اللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا

وقوله "لعنه الله" أي طرده وأبعده من رحمته وأخرجه من جواره وقال "لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا" أي معينا مقدرا معلوما قال قتادة من كل ألفا تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة.

وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا

"ولأضلنهم" أي عن الحق "ولأمنينهم" أي أزين لهم ترك التوبة وأعدهم الأماني وآمرهم بالتسويف والتأخير وأغرهم من أنفسهم قوله "ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام" قال قتادة والسدي وغيرهما: يعني تشقيقها وجعلها سمة وعلامة للبحيرة والسائبة والوصيلة "ولأمرنهم فليغيرن خلق الله" قال ابن عباس: يعني بذلك خصي الدواب وكذا روى عن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب وعكرمة وأبي عياض وقتادة وأبى صالح والثوري وقد ورد في حديث النهي عن ذلك وقال ابن الحسن البصري يعني بذلك الوشم وفي صحيح مسلم النهي عن الوشم في الوجه وفي لفظ: لعن الله من فعل ذلك وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله عز وجل ثم قال: ألا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل يعني قوله"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقال ابن عباس في رواية عنه ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والحكم والسدي والضحاك وعطاء الخراساني في قوله" ولآمرنهم فليغيرن خلق الله" يعني دين الله عز وجل وهذا كقوله "فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله" على قول من جعل ذلك أمرا أي لا تبدلوا فطرة الله ودعوا الناس على فطرتهم كما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تجدون بها من جدعاء " وهو صحيح مسلم عن عياض بن حماد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال الله عز وجل: إنى خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم " ثم قال تعالى "ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا" أي فقد خسر الدنيا والآخرة وتلك خسارة لا جبر لها ولا استدراك لفائتتها.

يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا

وقوله تعالى وهذا إخبار عن الواقع فإن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم بأنهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة وقد كذب وافترى في ذلك ولهذا قال الله تعالى "وما يعدهم الشيطان إلا غرورا" كما قال تعالى مخبرا عن إبليس يوم المعاد وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان - إلى قوله - وإن الظالمين لهم عذاب أليم".

أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا

وقوله "أولئك" أي المستحسنون له فيما وعدهم ومناهم "مأواهم جهنم " أي مصيرهم ومآلهم يوم القيامة "ولا يجدون عنها محيصا" أي ليس لهم عنها مندوحة ولا مصرف ولا خلاص ولا مناص ثم ذكر تعالى حال السعداء والأتقياء ومالهم من الكرامة التامة.