Translate

تفسير القرآن الكريم لجميع العلماء

ترجم الصفحه

[سورة البقرة 62 - 69]




(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)
[سورة البقرة 62 - 69]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ

لما بين تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره وتعدى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم وما أحل بهم من النكال نبه تعالى على أن من أحسن من الأمم السالفة وأطاع فإن له جزاء الحسنى وكذلك الأمر إلى قيام الساعة كل من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه ولا هم يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه كما قال تعالى "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عمر بن أبي عمر العدوي حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قال سلمان رضي الله عنه سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم فذكرت من صلاتهم وعبادتهم فنزلت "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر" الآية وقال السدي إن "الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا" الآية نزلت في أصحاب سلمان الفارسي بينا هو يحدث النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم فقال: كانوا يصلون ويصومون ويؤمنون بك ويشهدون أنك ستبعث نبيا فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم "يا سلمان من أهل النار" فاشتد ذلك على سلمان فأنزل الله هذه الآية فكان إيمان اليهود أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى عليه السلام حتى جاء عيسى فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى فلم يدعها ولم يتبع عيسى كان هالكا وإيمان النصارى أن من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل كان هالكا. قال ابن أبي حاتم: وروى عن سعيد بن جبير نحو هذا " قلت "هذا لا ينافي ما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر" - قال - فأنزل الله بعد ذلك "ومن يبتغ غير الإسلام دين فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" فإن هذا الذي قاله ابن عباس إخبار عن أنه لا يقبل من أحد طريقة ولا عملا إلا ما كان موافقا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن بعثه به فأما قبل ذلك فكل من اتبع الرسول في زمانه فهو على هدى وسبيل ونجاة فاليهود أتباع موسى عليه السلام والذين كانوا يتحاكمون إلى التوراة في زمانهم واليهود من الهوادة وهي المودة أو التهود وهي التوبة كقول موسى عليه السلام "إنا هدنا إليك" أي تبنا فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض وقل لنسبتهم إلى يهودا أكبر أولاد يعقوب وقال أبو عمرو بن العلاء لأنهم يتهودون أي يتحركون عند قراءة التوراة فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له فأصحابه وأهل دينه هم النصارى وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم وقد يقال لهم أنصار أيضا كما قال عيسى عليه السلام "من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله" وقيل إنهم سموا ذلك من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها ناصرة قاله قتادة وابن جريج وروى عن ابن عباس أيضا والله أعلم. والنصارى جمع نصران كنشاوي جمع نشوان وسكارى جمع سكران ويقال للمرأة نصرانة قال الشاعر: نصرانة لم تحنف فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للنبيين ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق وجب عليهم تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانكفاف عما عنه زجر وهؤلاء هم المؤمنون حقا وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية وأما الصابئين فقد اختلف فيهم فقال سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد قال الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين وكذا رواه ابن أبي نجيح عنه. وروي عن عطاء وسعيد بن جبير نحو ذلك وقال أبو العالية والربيع بن أنس والسدي وأبو الشعثاء جابر بن زيد والضحاك وإسحق بن راهويه الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور ولهذا قال أبو حنيفة وإسحق لا بأس بذبائحهم ومناكحتهم. وقال هشيم عن مطرف: كنا عند الحكم بن عتبة فحدثه رجل من أهل البصرة عن الحسن أنه كان يقول في الصابئين إنهم كالمجوس فقال الحكم ألم أخبركم بذلك وقال عبدالرحمن بن مهدي عن معاوية بن عبدالكريم سمعت الحسن ذكر الصابئين فقال: هم قوم يعبدون الملائكة. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبدالأعلى حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن قال: أخبر زياد أن الصابئين يصلون إلى القبلة ويصلون الخمس قال: فأراد أن يضع عنهم الجزية قال فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة وقال أبو جعفر الرازي بلغني أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة ويقرءون الزبور ويصلون للقبلة وكذا قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبدالأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه قال: الصابئون قوم مما يلي العراق وهم بكوثى وهم يؤمنون بالنبيين كلهم ويصومون من كل سنة ثلاثين يوما ويصلون إلى اليمن كل يوم خمس صلوات وسئل وهب بن منبه عن الصابئين فقال: الذي يعرف الله وحده وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرا. وقال عبدالله بن وهب: قال عبدالرحمن بن زيد الصابئون أهل دين من الأديان كانوا بجزيرة الموصل يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي إلا قول لا إله إلا الله قال ولم يؤمنوا برسول فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هؤلاء الصابئون يشبهونهم بهم يعني في قوله لا إله إلا الله. وقال الخليل: هم قوم يشبه دينهم دين النصارى إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام وحكى القرطبي عن مجاهد والحسن وابن أبي نجيح أنهم قوم تركب دينهم بين اليهود والمجوس ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم قال القرطبي: والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض العلماء أنهم موحدون ويعتقدون تأثير النجوم وأنهم فاعلة ولهذا أفتى أبو سعيد الأصطخري بكفرهم للقادر بالله حين سأله عنهم واختار الرازي أن الصابئين قوم يعبدون الكواكب بمعنى أن الله جعلها قبلة للعبادة والدعاء أو بمعنى أن الله فوض تدبير أمر هذا العالم إليها قال: وهذا القول هو المنسوب إلى الكشرانيين الذين جاءهم إبراهيم عليه السلام رادا عليهم ومبطلا لقولهم وأظهر الأقوال والله أعلم. قول مجاهد ومتابعيه ووهب بن منبه أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه. ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئ أي أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك وقال بعض العلماء الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي والله أعلم.
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

يقول تعالى مذكرا بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق بالإيمان به وحده لا شريك له واتباع رسله وأخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق رفع الجبل فوق رؤسهم ليقروا بما عوهدوا عليه ويأخذوه بقوة وجزم وامتثال كما قال تعالى "وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون" فالطور هو الجبل كما فسره به في الأعراف ونص على ذلك ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن والضحاك والربيع بن أنس وغير واحد وهذا ظاهر وفي رواية عن ابن عباس الطور ما أنبت من الجبال وما لم ينبت فليس بطور وفي حديث الفتون عن ابن عباس أنهم لما امتنعوا عن الطاعة رفع عليهم الجبل ليسمعوا. وقال السدي: فلما أبوا أن يسجدوا أمر الله الجبل أن يقع عليهم فنظروا إليه وقد غشيهم فسقطوا سجدوا فسجدوا على شق ونظروا بالشق الآخر فرحمهم الله فكشفه عنهم فقالوا والله ما سجدة أحب إلى الله من سجدة كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك وذلك قول الله تعالى "ورفعنا فوقكم الطور" وقال الحسن في قوله "خذوا ما آتيناكم بقوة" يعني التوراة وقال أبو العالية والربيع بن أنس بقوة أي بطاعة وقال مجاهد: بقوة بعمل بما فيه وقال قتادة "خذوا ما آتيناكم بقوة" قوة الجد وإلا قذفته عليكم. قال: فأقروا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة ومعنى قوله وإلا قذفته عليكم أي أسقطه عليكم يعني الجبل. وقال أبو العالية والربيع "واذكروا ما فيه" يقول اقرءوا ما في التوراة واعملوا به.
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ

قوله تعالى "ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم" يقول تعالى ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم توليتم عنه وانثنيتم ونقضتموه "فلولا فضل الله عليكم ورحمته" أي بتوبته عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم "لكنتم من الخاسرين" بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والآخرة.
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ

يقول تعالى "ولقد علمتم" يا معشر اليهود ما حل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت والقيام بأمره إذ كان مشروعا لهم فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت بما وضعوا لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل فلم تخلص منها يومها ذلك فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت فلما فعلوا ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة وهي أشبه شيء بالأناسي فى الشكل الظاهر وليس بإنسان حقيقة فكذلك أعمال هؤلاء وحيلتهم لما كانت مشابهة للحق في الظاهر ومخالفة له في الباطن كان جزاؤهم من جنس عملهم وهذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف حيث يقول تعالى "واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون" القصة بكمالها. وقال السدي: أهل هذه القرية هم أهل أيلة وكذا قال قتادة وسنورد أقوال المفسرين هناك مبسوطة إن شاء الله وبه الثقة وقوله تعالى "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو حذيفة حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" قال مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة. وإنما هو مثل ضربه الله "كمثل الحمار يحمل أسفارا" ورواه ابن جرير عن المثنى عن أبي حذيفة وعن محمد بن عمر الباهلي وعن أبي عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به وهذا سند جيد عن مجاهد وقول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام وفي غيره قال الله تعالى "قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت" الآية وقال العوفي فى تفسيره عن ابن عباس "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" فجعل الله منهم القردة والخنازير فزعم أن شباب القوم صاروا قردة وأن الشيخة صاروا خنازير: وقال شيبان النحوي عن قتادة "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" فصار القوم قردة تعاوى لها أذناب بعد ما كانوا رجالا ونساء وقال عطاء الخراساني نودوا يا أهل القرية كونوا قردة خاسئين فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون يا فلان ألم ننهكم فيقولون برؤسهم أي بلى وقال ابن أبى حاتم حدثنا علي بن الحسن حدثنا عبدالله بن محمد بن ربيعة بالمصيصية حدثنا محمد بن مسلم يعني الطائفي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال إنما كان الذين اعتدوا في السبت فجعلوا قردة فواقا ثم هلكوا ما كان للمسخ نسل. وقال الضحاك عن ابن عباس فمسخهم الله قردة بمعصيتهم يقول إذ لا يحيون في الأرض إلا ثلاثة أيام قال ولم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل وقد خلق الله القردة والخنازير وسائر الخلق في الستة أيام التي ذكرها الله في كتابه فمسخ هؤلاء القوم في صورة القردة وكذلك يفعل بمن يشاء كما يشاء. ويحوله كما يشاء وقال أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله "كونوا قردة خاسئين" قال يعني أذلة صاغرين وروى عن مجاهد وقتادة والربيع وأبي مالك نحوه وقال محمد بن إسحاق عن داود بن أبي الحصين عن عكرمة قال: قال ابن عباس إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم - يوم الجمعة - فخالفوا إلى السبت فعظموه وتركوا ما أمروا به فلما أبوا إلا لزوم السبت ابتلاهم الله فيه فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره وكانوا في قرية بين أيلة والطور يقال لها مدين فحرم الله عليهم فى السبت الحيتان صيدها وأكلها وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم شرعا إلى ساحل بحرهم حتى إذا ذهب السبت ذهبن فلم يروا حوتا صغيرا ولا كبيرا حتى إذا كان يوم السبت أتين شرعا حتى إذا ذهب السبت ذهبن فكانوا كذلك حتى طال عليهم الأمد وقوموا إلى الحيتان عمد رجل منهم فأخذ حوتا سرا يوم السبت فحزمه بخيط ثم أرسله في الماء وأوتد له وتدا في الساحل فأوثقه ثم تركه حتى إذا كان الغد جاء فأخذه أي إني لم آخذه في يوم السبت فانطلق به فأكله حتى إذا كان يوم السبت الآخر عاد لمثل ذلك ووجد الناس ريح الحيتان فقال أهل القرية والله لقد وجدنا ريح الحيتان ثم عثروا على صنيع ذلك الرجل قال ففعلوا كما فعل وصنعوا سرا زمانا طويلا لم يعجل الله عليهم العقوبة حتى صادوها علانية وباعوها في الأسواق فقالت طائفه منهم من أهل البقية ويحكم اتقوا الله ونهوهم عما كانوا يصنعون فقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان ولم تنه القوم عما صنعوا: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذاب شديدا؟ قالوا معذرة إلى ربكم بسخطنا أعمالهم ولعلهم يتقون قال ابن عباس: فبينا هم على ذلك أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم فقدوا الناس فلم يروهم قال: فقال بعضهم لبعض إن للناس شأنا فانظروا ما هو فذهبوا ينظرون في دورهم فوجدوها مغلقة عليهم قد دخلوها ليلا فغلقوها على أنفسهم كما يغلق الناس على أنفسهم فأصبحوا فيها قردة وإنهم ليعرفون الرجل بعينة وإنه لقرد والمرأة بعينها وإنها لقردة والصبى بعينه وإنه لقرد قال: قال ابن عباس: فلولا ما ذكر الله أنه نجى الذين نهوا عن السوء لقد أهلك الله الجميع منهم قال وهي القرية التي قال جل ثناؤه لمحمد صلى الله عليه وسلم "واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر" الآية. وروى الضحاك عن ابن عباس نحوا من هذا وقال السدي في قوله تعالى "ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين" قال هم أهل أيلة وهي القرية التي كانت حاضرة البحر فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت - وقد حرم الله على اليهود أن يعملوا فى السبت شيئا- لم يبق في البحر حوت إلا خرج حتى يخرجن خراطيمهن من الماء يوم الأحد لزمن سفل البحر فلم ير منهن شيء حتى يكون يوم السبت فذلك قوله تعالى "واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم" فاشتهى بعضهم السمك فجعل الرجل يحفر الحفيرة ويجعل لها نهرا إلى البحر فإذا كان يوم السبت فتح النهر فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتى يلقيها في الحفيرة فيريد الحوت أن يخرج فلا يطيق من أجل قلة ماء النهر فيمكث فيها فإذا كان يوم الأحد جاء فأخذه فجعل الرجل يشوي السمك فيجد جاره روائحه فيسأله فيخبره فيصنع مثل ما صنع جاره حتى فشا فيهم أكل السمك فقال لهم علماؤهم: ويحكم إنما تصطادون يوم السبت وهو لا يحل لكم فقالوا إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه فقال الفقهاء لا ولكنكم صدتموه يوم فتحتم له الماء فدخل قال وغلبوا أن ينتهوا. فقال بعض الذين نهوهم لبعض "لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذاب شديدا" يقول لم تعظوهم وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم فقال بعضهم "معذرة إلى ربكم ولعلم يتقون" فلما أبوا قال المسلمون والله لا نساكنكم في قرية واحدة فقسموا القرية بجدار ففتح المسلمون بابا والمعتدون في السبت بابا ولعنهم داود عليه السلام فجعل المسلمون يخرجون من بابهم والكفار من بابهم فخرج المسلمون ذات يوم ولم يفتح الكفار بابهم فلما أبطؤا عليهم تسور المسلمون عليهم الحائط فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض ففتحوا عنهم فذهبوا في الأرض فذلك قول الله تعالى "فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين" وذلك حين يقول "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم" الآية فهم القردة "قلت" والغرض من هذا السياق عن هؤلاء الأئمة بيان خلاف ما ذهب إليه مجاهد رحمه الله من أن مسخهم إنما كان معنويا لا صوريا بل الصحيح أنه معنوي صوري والله تعالى أعلم.
فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ

وقوله تعالى "فجعلناها نكالا" قال بعضهم الضمير في فجعلناها عائد على القردة وقيل على الحيتان وقيل على العقوبة وقيل على القرية حكاها ابن جرير والصحيح أن الضمير عائد على القرية أي فجعل الله هذه القرية والمراد أهلها بسبب اعتدائهم في سبتهم "نكالا" أي ما عاقبناهم عقوبة فجعلناها عبرة كما قال الله عن فرعون "فأخذه الله نكال الآخرة والأولى" وقوله تعالى لما بين يديها وما خلفها أي من القرى قال ابن عباس: يعني جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرة لما حولها من القرى كما قال تعالى "ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون" ومنه قوله تعالى "أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" الآية على أحد الأقوال فالمراد لما بين يديها وما خلفها في المكان كما قال محمد بن إسحق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس: لما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى وكذا قال سعيد بن جبير لما بين يديها وما خلفها قال من بحضرتها من الناس يومئذ. وروى عن إسماعيل بن أبي خالد وقتادة وعطية العوفي "فجعلناها نكالا لما بين يديها" قال ما قبلها من الماضين في شأن السبت وقال أبو العالية والربيع وعطية: وما خلفها لما بقي بعدهم من الناس من بني إسرائيل أن يعملوا مثل عملهم وكان هؤلاء يقولون المراد لما بين يديها وما خلفها فى الزمان. وهذا مستقيم بالنسبة إلى من يأتي بعدهم من الناس أن تكون أهل تلك القرية عبرة لهم وأما بالنسبة إلى من سلف قبلهم من الناس فكيف يصح هذا الكلام أن تضر الآية به وهو أن يكون عبرة لمن سبقهم؟ وهذا لعل أحدا من الناس لا يقوله بعد تصوره - فتعين أن المراد بما بين يديها وما خلفها في المكان وهو ما حولها من القرى كما قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والله أعلم. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية "فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها" أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم وقال ابن أبي حاتم: وروى عن عكرمة ومجاهد والسدي والفراء وابن عطية: لما بين يديها من ذنوب القوم وما خلفها لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب وحكى الرازي ثلاثة أقوال أحدها أن المراد بما بين يديها وما خلفها من تقدمها من القرى بما عندهم من العلم يخبرها بالكتب المتقدمة ومن بعدها. والثاني المراد بذلك من بحضرتها من القرى والأمم. والثالث أنه تعالى جعلها عقوبة لجميع ما ارتكبوه من قبل هذا الفعل وما بعده وهو قول الحسن "قلت" وأرجح الأقوال المراد بما بين يديها وما خلفها من بحضرتها من القرى يبلغهم خبرها وما حل بها كما قال تعالى "ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى" الآية وقال تعالى "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" الآية وقال تعالى "أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" فجعلهم عبرة ونكالا لمن في زمانهم وموعظة لمن يأتي بعدهم بالخبر المتواتر عنهم ولهذا قال "وموعظة للمتقين": وقوله تعالى "وموعظة للمتقين" قال محمد بن إسحق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس "وموعظة للمتقين" الذين من بعدهم إلى يوم القيامة وقال الحسن وقتادة "وموعظة للمتقين" بعدهم فيتقون نقمة الله ويحذرونها وقال السدي وعطية العوفي "وموعظة للمتقين" قال أما محمد صلى الله عليه وسلم "قلت" المراد بالموعظة هاهنا الزاجر أي جعلنا ما أحللنا بهؤلاء من البأس والنكال في مقابلة ما ارتكبوه من محارم الله وما تحيلوا به من الحيل فليحذر المتقون صنيعهم لئلا يصيبهم ما أصابهم كما قال الإمام أبو عبدالله بن بطة حدثنا أحمد بن محمد بن مسلم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني حدثنا يزيد بن هرون حدثنا محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى فى الحيل" وهذا إسناد جيد وأحمد بن مسلم هذا وثق الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي وباقي رجاله مشهورون على شرط الصحيح والله أعلم.
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ

يقول تعالى: واذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم في خرق العادة لكم فى شأن البقرة وبيان القاتل من هو بسببها وإحياء الله المقتول ونصه على من قتله منه. " ذكر بسط القصة " قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا يزيد بن هرون أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال: كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض. فقال ذوو الرأي منهم والنهي: علام يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم؟ فأتوا موسى عليه السلام فذكروا ذلك له فقال "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين" قال: فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا فأخذوها فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا من قتلك؟ فقال: هذا - لابن أخيه- ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا فلم يورث قاتل بعد ورواه ابن جرير من حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة بنحو من ذلك والله أعلم. ورواه عبد بن حميد في تفسيره أنبأنا يزيد ابن هرون به ورواه آدم بن أبي أياس في تفسيره عن أبي جعفر هو الرازي عن هشام بن حسان به وقال آدم ابن أبي إياس في تفسيره: أنبأنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية في قول الله تعالى "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" قال: كان رجل من بني إسرائيل وكان غنيا ولم يكن له ولد وكان له قريب وكان وارثه فقتله ليرثه ثم ألقاه على مجمع الطريق وأتى موسى عليه السلام فقال له إن قريبي قتل وإني إلى أمر عظيم وإني لا أجد أحدا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله قال: فنادى موسى في الناس فقال: أنشد الله من كان عنده من هذا علم إلا يبينه لنا فلم يكن عندهم علم فأقبل القاتل على موسى عليه السلام فقال له أنت نبي الله فسل لنا ربك أن يبين لنا فسأل ربه فأوحى الله "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" فعجبوا من ذلك "فقالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض" يعني لا هرمة "ولا بكر" يعني ولا صغيره "عوان بين ذلك" أي نصف بن البكر والهرمة "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها" أي صاف لونها "تسر الناظرين" أي تعجب الناظرين "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول" أي لم يذللها العمل "تثير الأرض ولا تسقى الحرث" يعني وليست بذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث يعني ولا تعمل في الحرث "مسلمة" يعني مسلمة من العيوب "لا شية فيها" يقول لا بياض فيها قالوا "الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون" قال ولو أن القوم حين أمروا بذبح بقرة استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها لكانت إياها ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ولولا أن القوم استووا فقالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون هدوا إليها أبدا فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعت لهم إلا عند عجوز وعندها يتامى وهي القيمة عليهم فلما علمت أنه لا يزكو لهم غيرها أضعفت عليهم الثمن فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة وأنها سألت أضعاف ثمنها فقال موسى إن الله قد خفف عليكم فشددتم على أنفسكم فأعطوها رضاها وحكمها. ففعلوا واشتروها فذبحوها فأمرهم موسى عليه السلام أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل ففعلوا فرجع إليه روحه فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان فأخذ قاتله وهو الذي كان أتى موسى عليه السلام فشكا إليه فقتله الله على أسوأ عمله وقال محمد بن جرير حدثني محمد بن سعيد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس في قوله في شأن البقرة وذلك أن شيخا من بني إسرائيل على عهد موسى عليه السلام كان مكثرا من المال وكان بنو أخيه فقراء لا مال لهم وكان الشيخ لا ولد له وكان بنو أخيه ورثته فقالوا: ليت عمنا قد مات فورثنا ماله. وإنه لما تطاول عليهم أن لا يموت عمهم أتاهم الشيطان فقال لهم هل لكم إلى أن تقتلوا عمكم فترثوا ماله وتغرموا أهل المدينة التي لستم بهاديته وذلك أنهما كانتا مدينتين كانوا في إحداهما وكان القتيل إذا قتل وطرح بين المدينتين قيس ما بين القتيل والقريتين فأيتهما كانت أقرب إليه غرمت الدية وأنهم لما سول لهم الشيطان ذلك وتطاول عليهم أن لا يموت عمهم عمدوا إليه فقتلوه ثم عمدوا فطرحوه على باب المدينة التي ليسوا فيها فلما أصبح أهل المدينة جاء بنو أخي الشيخ فقالوا عمنا قتل على باب مدينتكم فوالله لتغرمن لنا دية عمنا. قال أهل المدينة نقسم بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ولا فتحنا باب مدينتنا منذ أغلق حتى أصبحنا وإنهم عمدوا إلى موسى عليه السلام فلما أتوه قال بنو أخي الشيخ: عمنا وجدناه مقتولا على باب مدينتهم وقال أهل المدينة: نقسم بالله ما قتلناه ولا فتحنا باب المدينة من حين أغلقناه حتى أصبحنا. وأن جبريل جاء بأمر السميع العليم إلى موسى عليه السلام فقال قل لهم "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" فتضربوه ببعضها. وقال السدي "وإذا قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" قال: كان رجل من بني إسرائيل مكثرا من المال فكانت له ابنة وكان له ابن أخ محتاج فخطب إليه ابن أخيه ابنته فأبى أن يزوجه فغضب الفتى وقال والله لأقتلن عمي ولآخذن ماله ولأنكحن ابنته ولآكلن ديته فأتاه الفتى وقد قدم تجار فى بعض أسباط بني إسرائيل فقال يا عم انطلق معي فخذ من تجارة هؤلاء القوم لعلي أن أصيب منها فإنهم إذا رأوك معي أعطوني فخرج العم مع الفتى ليلا فلما بلغ الشيخ ذلك السبط قتله الفتى ثم رجع إلى أهله فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه كأنه لا يدري أبن هو فلم يجده فانطلق نحوه فإذا هو بذلك السبط مجتمعين عليه فأخذهم وقال قتلتم عمي فأدوا إلي ديته فجعل يبكي ويحثو التراب على رأسه وينادي واعماه فرفعهم إلى موسى فقضى عليهم بالدية فقال له يا رسول الله ادع لنا ربك حتى يبين لنا من صاحبه فيؤخذ صاحب القضية فوالله إن ديته علينا لهينة ولكن نستحي أن نعير به فذلك حين يقول تعالى "وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون" فقال لهم موسى "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" قالوا نسألك عن القتيل وعمن قتله وتقول اذبحوا بقرة أتهزأ بنا وقال "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين" قال ابن عباس: فلو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكن شددوا وتعنتوا على موسى فشدد الله عليهم فقالوا "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك" والفارض الهرمة التي لا تولد والبكر التي لم تلد إلا ولدا واحدا والعوان النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها "فافعلوا ما تؤمرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها" قال نقي لونها "تسر الناظرين" قال تعجب الناظرين "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة شية فيها" من بياض ولا سواد ولا حمرة "قالوا الآن جئت بالحق" فطلبوها فلم يقدروا عليها وكان رجل في بني إسرائيل من أبر الناس بأبيه وإن رجلا مر به معه لؤلؤ يبيعه وكان أبوه نائما تحت رأسه المفتاح فقال له الرجل: تشتري مني هذا اللؤلؤ بسبعين ألفا؟ فقال له الفتى: كما أنت حتى يستيقظ أبي فآخذه منك بثمانين ألفا قال الآخر: أيقظ أباك وهو لك بستين ألفا. فجعل التاجر يحط له حتى بلغ ثلاثين ألفا وزاد الآخر على أن ينتظر أباه حتى يستيقظ حتى بلغ مائة ألف فلما أكثر عليه قال والله لا أشتريه منك بشيء أبدا وأبى أن يوقظ أباه فعوضه الله من ذلك اللؤلؤ أن يجعل له تلك البقرة فمرت به بنو إسرائيل يطلبون البقرة وأبصروا البقرة عنده فسألوه أن يبيعهم إياها بقرة ببقرة فأبى فأعطوه ثنتين فأبى فزادوه حتى بلغوا عشرا. فقالوا والله لا نتركك حتى نأخذها منك فانطلقوا به إلى موسى عليه السلام فقالوا يا نبي الله إنا وجدناها عند هذا وأبى أن يعطيناها وقد أعطيناه ثمنا. فقال له موسى: أعطهم بقرتك. فقال: يا رسول الله أنا أحق بمالي. فقال صدقت. وقال للقوم: أرضوا صاحبكم فأعطوه وزنها ذهبا فأبى فأضعفوه له حتى أعطوه وزنها عشر مرات ذهبا فباعهم إياها وأخذ ثمنها فذبحوها قال اضربوه ببعضها فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش فسألوه من قتلك؟ فقال لهم ابن أخي قال: أقتله فآخذ ماله وأنكح ابنته. فأخذوا الغلام فقتلوه وقال سنيد: حدثنا حجاج هو ابن محمد عن ابن جريح عن مجاهد وحجاج عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس - دخل حديث بعضهم في حديث بعض - قالوا إن سبط من بني إسرائيل لما رأوا كثرة شرور الناس بنوا مدينة فاعتزلوا شرور الناس فكانوا إذا أمسوا لم يتركوا أحدا منهم خارجا إلا أدخلوه وإذا أصبحوا أقام رئيسهم فنظر وأشرف فإذا له ير شيئا فتح المدينة فكانوا مع الناس حتى يمسوا قال: وكان رجل من بني إسرائيل له مال كثير ولم يكن له وارث غير أخيه فطال عليه حياته فقتله ليرثه ثم حمله فوضعه على باب المدينة ثم كمن في مكان هو وأصحابه قال فأشرف رئيس المدينة على باب المدينة فنظر فله ير شيئا ففتح الباب فلما رأى القتيل رد الباب فناداه أخو المقتول وأصحابه هيهات قتلتموه ثم تردون الباب؟ وكان موسى لما رأى القتل كثيرا في بني إسرائيل كان إذا رأى القتيل بين ظهراني القوم أخذه فكاد يكون بين أخي المقتول وبين أهل المدينة قتال حتى لبس الفريقان السلاح ثم كف بعضهم عن بعض فأتوا موسى فذكروا له شأنهم قالوا: يا موسى إن هؤلاء قتلوا قتيلا ثم ردوا الباب قال أهل المدينة: يا رسول الله قد عرفت اعتزلنا الشرور وبنينا مدينة كما رأيت نعتزل شرور الناس والله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا. فأوحى الله تعالى إليه أن يذبحوا بقرة فقال لهم موسى "إن الله أمره أن تذبحوا بقرة" وهذه السياقات عن عبيدة وأبي العالية والسدي وغيرهم فيها اختلاف الظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل وهي مما يجوز نقلها ولكن لا نصدق ولا تكذب فلهذا لا يعتمد عليها إلا ما وافق الحق عندنا والله أعلم.
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ

أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم وهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد ولكنهم شددوا فشدد عليهم فقالوا "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي" أي ما هذه البقرة وأي شيء صفتها قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا هشام بن علي عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها ولكنهم شددوا فشدد عليهم - إسناده صحيح - وقد رواه غير واحد عن ابن عباس وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد وقال ابن جريج: قال لي عطاء لو أخذوا أدنى بقرة لكفتهم قال ابن جريج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا شدد الله عليهم وايم الله لو أنهم لو يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد" قال "إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر" أي لا كبيرة هرمة ولا صغيرة لم يلحقها الفحل كما قاله أبو العالية والسدي ومجاهد وعكرمة وعطية العوفي وعطاء الخراساني ووهب بن منبه والضحال والحسن وقتادة وقاله ابن عباس أيضا وقال الضحاك عن ابن عباس: عوان بين ذلك يقول نصف بين الكبيرة والصغيرة وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر وأحسن ما تكون وروى عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك وقال السدي العوان النصف الثاني بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها: وقال هشيم عن جويبر عن كثير بن زياد عن الحسن في البقرة كانت بقرة وحشية وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس من لبس نعلا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها.
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ

قوله تعالى "تسر الناظرين" وكذا قال مجاهد ووهب بن منبه كانت صفراء. وعن ابن عمر كانت صفراء الظلف. وعن سعيد بن جبير كانت صفراء القرن والظلف. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نصر بن علي حدثنا نوح بن قيس أنبأنا أبو رجاء عن الحسن في قوله تعالى "بقرة صفراء فاقع لونها" قال سوداء شديدة السواد وهذا غريب والصحيح الأول ولهذا أكد صفرتها بأنه "فاقع لونها" وقال عطية العوفي "فاقع لونها" تكاد تسود من صفرتها وقال سعيد بن جبير "فاقع لونها" وقال صافية اللون. وروى عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه. وقال شريك عن معمر عن ابن عمر "فاقع لونها" قال صاف وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس "فاقع لونها" شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض. وقال السدي "تسر الناظرين" أي تعجب الناظرين وكذا قال أبو العالية وقتاده والربيع بن أنس. وقال وهب بن منبه إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها. وفي التوراة أنها كانت حمراء فلعل هذا خطأ في التعريب أو كما قال الأول أنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد والله أعلم.